قضايا وآراء

عوامل ضعف الكيان الإسرائيلي بالأرقام

| تحسين الحلبي

حين يستمر الوضع الراهن بين المقاومة في قطاع غزة وبين الكيان الإسرائيلي ويبقى في الوقت نفسه الوضع على حاله الراهن بين المقاومة اللبنانية عند حدود فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وكذلك عند حدود سورية وجيشها قرب الجولان المحتل، فإن ذلك يعني بنظر قيادة الجيش الإسرائيلي أن هذا الوضع يتيح للقوى الثلاث المحيطة بها أن تزيد من قدراتها العسكرية على حين يكون جيش الاحتلال غير قادر على التصادم معها ويكون كمن سلّم بتدهور قدرة ردعه ضدها.
والسؤال الذي يطرحه بعض المحللين في تل أبيب هو: إلى متى سيستمر هذا الوضع من دون إلحاق الضرر بالجيش الإسرائيلي؟ وما الخطة البديلة من الصدام أو الاجتياح العسكري للقطاع وجنوب لبنان؟
الكل يلاحظ أن قرار انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000 بعد هزيمته العسكرية على يد المقاومة اللبنانية وحلفائها، جعل القيادة في تل أبيب تراهن على خطة بديلة لمنع وجود المقاومة في الجنوب أو تزايد قدراتها، وكانت هذه الخطة بشكل بديهي تعتمد على إثارة الجبهة الداخلية اللبنانية وأحزابها المعارضة على دور حزب اللـه وأسلحته والتخلص منه وهو الهدف الذي تفضله تل أبيب في لبنان، لكن هذه الخطة التي وصلت ذروة تنفيذها في اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب القوات السورية من لبنان، لم تحقق الهدف الإسرائيلي وتمكنت المقاومة وحلفاؤها في لبنان من هزيمة الخطة الإسرائيلية وجعلت القيادة الإسرائيلية تلجأ في تموز 2006 إلى اجتياح الجنوب براً وجواً في حرب مكثفة ارتدّت عليها وألحقت بها هزيمة صارخة خلال 34 يوماً، وبالمقابل استمرت المقاومة بتعزيز قدراتها وتثبيت دورها أكثر من أي وقت مضى.
وفي قطاع غزة أيضاً أجبرت المقاومة الفلسطينية قيادة جيش الاحتلال على الانسحاب ونزع المستوطنات من دون قيد أو شرط في عام 2005، وعملت إسرائيل على توليد حرب داخلية في القطاع بين السلطة الفلسطينية والمقاومة تؤدي إلى التخلص من أسلحة المقاومة فارتدت عليها هذه الخطة واستفرد خط المقاومة وفصائله بإدارة قطاع غزة منذ ذلك الوقت، ثم حاولت قوات الاحتلال اجتياحه في سلسلة عمليات عسكرية ولم تحقق غايتها حتى الآن، وتمكنت فصائل القطاع من زيادة قدراتها العسكرية إلى أن وصلنا إلى الوضع الراهن الذي لا يسر الكيان الإسرائيلي على كل الجبهات وخاصة الجبهة السورية التي أعاد انتصار الجيش السوري إليها سيادة قوته ودوره بعد حرب السنوات التسع الكونية على سورية.
في ظل الوضع الراهن تجد القيادة الإسرائيلية أنها تتعرض لعملية استنزاف مستمرة في جبهتها الداخلية فهي أولا: غير آمنة من سقوط الصواريخ عليها من كل الجبهات، وهي ثانياً: تتعرض لنقص حاد وغير مسبوق في عدد المهاجرين إليها من يهود العالم، ففي 25 تشرين أول من العام 2020 ذكر موقع «والا» الإسرائيلي أن «إسرائيل شهدت أسوأ عام لأن عدد المهاجرين لم يبلغ أكثر من 13 ألفاً» نصفهم من المسنين وليس من الشبان المؤهلين للخدمة في الجيش، وبالمقابل غادر أكثر من عشرين ألفاً من الإسرائيليين عائدين إلى أوطانهم في أوروبا، وهي ثالثاً: تشهد تدهور اقتصادها إلى حد ولّد سببين للهجرة العكسية عند المستوطنين، الأول: انعدام الشعور بالأمن نتيجة الصواريخ المتساقطة على المستوطنات والمدن من دون حلول حاسمة، والثاني: انخفاض الدخل نتيجة التأثير السلبي لفيروس كورونا على الاقتصاد.
المستوطن المحتل لا يجد بديلاً من هذا الوضع الذي يفرضه صمود الفلسطينيين في أراضيهم، سوى العودة إلى وطنه الأصلي والشعور بالأمن الشخصي والاقتصادي فيه لأن اليهودي الآمن هو الذي يقيم خارج الأراضي المحتلة التي أصبح فيها عدد الفلسطينيين سبعة ملايين مقابل 6.5 ملايين من اليهود، وبقاء المستوطنين في فلسطين سيفرض عليهم مجابهة مقاومة هذا العدد من الفلسطينيين، على حين لا تتطلب عودتهم إلى أوطانهم في أوروبا أو غيرها مجابهة أحد ولا تفرض عليهم الخدمة بالجيش والتعرض للقتل على غرار ما يجري في فلسطين، والمجتمع الصهيوني ومن داخله بالذات، منقسم بشكل حاد بين متدينين سلفيين وتقليديين، يفرضون تقاليد تمس حرية العلمانيين وخاصة في تل أبيب، وبالمقابل تستفز حياة العلمانيين عدداً من التقاليد الاجتماعية للمتدينين وخاصة في مدينة القدس، على حين لا يبرز هذا العامل حين يعودون للعيش في أوطانهم السابقة.
سيبقى الكيان الإسرائيلي يواجه هذه المعضلة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية والجوار العربي وجوهرها في انعدام الأمن والعجز عن إنهاء وجود المقاومة أو إيقاف تزايد قدراتها، وستضيق خياراته بين استمرار انخفاض قواه البشرية واستنزاف قدراته في هذا المأزق وبين شن حروب لا يضمن نتائجها وترتد عليه عكسياً بالطريقة نفسها التي ارتدت عليه الانسحابات من جنوب لبنان ومن قطاع غزة بعد هزيمته فيهما، وهذا ما يجعل الزمن يعمل في مصلحة صمود أصحاب الحق في فلسطين والجولان العربي السوري وبقية شعوب محور المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن