قضايا وآراء

دور المصارف المركزية في مواجهة الأزمات

| الدكتور قحطان السيوفي

المصرف المركزي مؤسسة عامة تشمل مهامه الأساسية وضع السياسة النقدية وتنفيذ أدواتها (سعر الصرف للعملة الوطنية، سعر الفائدة، الأسعار، ضبط التضخم أو الانكماش…) في إطار السياسة العامة للدولة ويعتبر بنك البنوك أو بنك الدولة، وله مهام ووظائف اقتصادية أخرى: صلاحيات إصدار العملة المحلية، والمحافظة على قيمتها، والرقابة على نشاط البنوك، وتنظيم الكتلة النقدية وقبيل الانهيار الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. ساد اعتقاد أن البنوك المركزية ستكون عاجزة عن مواجهة الركود ولاسيما في ظل اقتراب أسعار الفائدة من الصفر في العديد من الاقتصادات المتقدمة، ورغم ذلك ففي غضون أسابيع قليلة، زادت معظم البنوك المركزية الكبرى من حجم ميزانياتها بنسبة 7 إلى 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسب التي تزيد على نظيرتها في العامين التاليين للأزمة المالية لعام 2008.
كان الغرض من استقلال البنوك المركزية دوماً تمكين السياسة النقدية من التركيز على الحفاظ على استقرار الأسعار من دون الخضوع للضغوط السياسية.. وعلى مسؤولي البنوك المركزية أن يكونوا على مستوى يسمح لهم المساعدة لمواجهة الأزمات.
هناك سؤال وهو ما قد يعنيه ظهور العملات الرقمية الخاصة بالبنوك المركزية للبنوك الخاصة؟ من الواضح، عند حدوث أزمة، أن الأموال قد تهرّب إلى عملات البنوك المركزية الرقمية من الأصول السائلة الأخرى، بما فيها الودائع المصرفية التقليدية.
تخطط الصين لتحقيق مكاسب مبكرة في العالم الجديد للعملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية.
مشروع الصين طويل الأمد لتطوير عملة الرنمينبي الإلكتروني هو جزء من تحد أوسع للنفوذ المالي للولايات المتحدة.
معظم البنوك المركزية لجأت إلى استخدام أدوات غير تقليدية للحد من الانعكاسات السلبية لأزمة كورونا على النشاط الاقتصادي أهمها: التيسير النقدي، واعتماد معدلات الفائدة الصفرية وحتى السلبية للتصدي للأزمات وانعكاساتها على النشاط الاقتصادي والوظائف واستقرار الأسعار.
واستخدمت البنوك المركزية هذه الأدوات غير التقليدية في مواجهة الأزمة المالية العالمية في 2008.
وفي مواجهة تداعيات تفشي «كوفيد 19»، قام 17 بنكاً مركزياً حول العالم بتخفيض سعر الفائدة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار كورونا، وآخرها المركزي الكندي الذي خفض سعر الفائدة 50 نقطة أساس.
أعلن البنك المركزي الأوروبي في منتصف آذار عن برنامج للتيسير النقدي حجمه 750 مليار يورو، أقرّت الحكومة الصينية خطة تحفيز مالي حجمها 394 مليار دولار، ووافقت الحكومة الألمانية بدورها على خطة تحفيز مالي حجمها 750 مليار يورو، واعتمدت الحكومة الإيطالية خطة تحفيز مالي قيمتها 25 مليار يورو، وأعلنت السلطات الفرنسية عن نيتها تخصيص 45 مليار يورو لمواجهة تداعيات كورونا.
هذا التكامل بين الخطط التحفيزية، النقدية والمالية، هو ما واجهت به الحكومات التداعيات الاقتصادية لانتشار كورونا.
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تقريراً يتناول الأزمات التي شهدتها بعض البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط، خلال الأشهر القليلة الماضية.
ففي ليبيا، طالب أعضاء مجلس النواب الليبي بتغيير محافظ البنك المركزي، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
في لبنان اتهم الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة للشعب اللبناني، في 7 نيسان الماضي، البنك المركزي اللبناني ورئيسه رياض سلامة بالمسؤولية عن الانهيار المالي، إذ قال: «إن حاكم مصرف لبنان المركزى رفض الإجابة عن 73 سؤالاً من 133 أرسلتها شركة ألفاريز أند مارسيل الاستشارية لإجراء التدقيق، وذلك بحجة أنها مخالفة لقانون النقد والتسليف…»، وأضاف: «للمصرف المركزي أقول: إنك تتحمل المسؤولية الأساسية لأنك خالفت قانون النقد والتسليف، وكان لزاماً عليك أن تتخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف».
في تركيا أصر رجب أردوغان على الإمساك بمفاصل الهياكل المالية، وأصدر قراراً في 20 آذار الماضي، بإقالة محافظ البنك المركزي ناجى إقبال، بعد أقل من خمسة أشهر على تعيينه، بسبب رفعه سعر الفائدة إلى 19 بالمئة، وبعد تراجع قيمة العملة الوطنية (الليرة) وتراجع الاقتصاد.
في ظل تسلط وهيمنة أردوغان على وضع السياسات النقدية، ولاسيما بعد تحول البلاد إلى النظام الرئاسي، يسعى أردوغان لجعل القرار الاقتصادي خاضعاً لسيطرته. كما تواجه تركيا أزمة تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي.
سبق لأردوغان أن عزل رئيس البنك المركزي مراد أويصال من منصبه. وفي تموز 2019، أقال أردوغان محافظ البنك المركزي الأسبق مراد جتينقايا.
الإقالات المتتالية تعكس رغبة أردوغان الدكتاتور في السيطرة على قرار البنك المركزي.
وقد خلص بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي الأخير إلى أن البنوك المركزية استخدمت أدواتها لمواجهة الأزمات ويمكن تقسيم إجراءات وبرامج وسياسات البنوك المركزية في مواجهة الأزمات وخاصة جائحة كورونا إلى ثلاثة أقسام وهي:
– توفير السيولة الملاذ الأخير لإقراض النظام المالي.
– برامج الائتمان الموجهة لدعم القطاع غير المالي: الشركات، والأسر، والبلديات.
– إجراءات إغاثية ضخمة، تتضمن تخفيف معايير رأس المال والسيولة.
في سورية تأسس مصرف سورية المركزي عام 1956 وفي ظل الحرب الإرهابية والحصار الاقتصادي الظالم على سورية، لم تتمكن الإدارة النقدية السورية من استخدام أدوات السياسة النقدية بفعالية لمواجهة الأزمات، وللأسف كان للكثير من الإجراءات النقدية ردّات فعل على تقلبات سعر صرف العملة الوطنية، وتم تغيير حاكم مصرف سورية المركزي ثلاث مرات منذ بداية الأزمة 2011 آخرها في 13 نيسان. ونتمنى على حاكم مصرف سورية المركزي الجديد الاطلاع على الأفكار التي تضمنها هذا المقال علّها تساعد في إجراءات مواجهة الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن