من دفتر الوطن

رحلة عمر

| عصام داري

تطرق بابي أشعار جميلة تذكرني بأن العمر قصير وعليك ألا تهدر سنواتك في نقاشات وحوارات وأفعال تستهلك عمرك من حيث لا تدري.
يقول نزار:
لا وقت لدينا للتفكير.. أعصابي ليست من خشب
وشفاهك ليست من قصدير
يدك المطمورة تحت يدي.. منديل مشغول بحرير
ومفاتن جسمك لا تحصى
والعمر قصير..
أما سعيد عقل فينبهنا إلى أننا في مشوار صغير سينتهي.. ففي أغنية مشوار التي شدت بها الرائعة فيروز يقول سعيد عقل:
و.. مشوار جينا ع الدني مشوار..
ومشوارنا في هذه الحياة يمضي بلمح البصر، طال عمرنا أم قصر، وأنا من الذين يرون أن الحياة لحظة واحدة فقط، هي هذه اللحظة التي أكتب بها هذه المقالة، ولاحظوا معي أنني عندما كتبت عنوان زاويتي هذه: (رحلة عمر) كان ذلك منذ زمان، أي منذ اللحظات أو حتى دقائق، وهذه اللحظات والدقائق صارت في الماضي، أي في التاريخ ولا يمكن أن نستعيدها على الإطلاق، لذا علينا أن نعيش اللحظة التي نمر فيها الآن، وفوراً، وإلا فإنها ستلوح لنا وتذهب بعيداً، ومن المستحيل إدراكها.
والمطربة صباح ببساطة الكلمة وحلاوتها ومن دون تعقيدات تغني:
بكرا بتشرق شمس العيد وبتبشّر بنهار جديد
عيش اليوم وحب اليوم… اليوم بإيدك بكرا بعيد..
منذ أيام قرأت عبارة أعجبتني، هي أشبه بالحكمة أو بالنصيحة:
الحياة لحظة، املأها بِالفرحَ، واكسوها بِالأمل، وأطربها بِالضحك، وجرّدها من الحزن فَلا شيء يستحق.
كما قرأت حكمة تشبه بل تتطابق تقريباً مع أفكاري وما ذهبت إليه آنفاً، تقول هذه الحكمة: الدّنيا ثلاثة أيّام، الأمس: عشناه ولن يعود
واليوم: نعيشه ولن يدوم… والغد: لا ندري أين سنكون
فصافح، وسامح، ودع الخلق للخالق، فأنا وأنت وهم ونحن راحلون.
وإذا استمررت في تسجيل الأشعار والأغاني والحكم والنصائح حول هذه الرؤية فلن أنتهي أبداً، وبالمقابل لن أنتهي أبداً وأنا أعدد الأقوال والمواقف التي تقف في الخندق المقابل، والتي تتخندق في بؤرة عميقة مغلقة تحرم الفرح وتعتبره رجساً من عمل الشياطين والأبالسة والعفاريت، على حين أرى شخصياً أن هذه الفئة من أشباه البشر هي العفاريت والشياطين!
لحظة الفرح والحب والبهجة عمرها قصير، وقصير جداً، ومع ذلك تجد أشخاصاً مهمتهم في الحياة قتل الفرح ووأد الحب في المهد، وإلقاء البهجة في الجحيم، وهؤلاء يحرمون الغناء والشعر والزجل والموسيقا ويخترعون فتاوى ما أنزل بها اللـه من سلطان حتى يدمروا كل شيء جميل في هذه الحياة، وربما يهدرون دم كل من يفرح أو يصنع الفرح، ـوكل من يجرؤ ويعلن عشقه وغرامه، ويرون أن الموسيقا من بدع الأبالسة!
وأكرر: الحياة لحظة، وقد عشت الكثير من اللحظات منذ الدقيقة التي قررت فيها أن أكتب زاويتي هذه، كل تلك اللحظات ذهبت مع الريح ولم تترك إلا أثرها على الورق، وهو كلماتي التي تقرؤها الآن، في هذه اللحظة، التي أدافع فيها عن الحياة وأدين فيها كل من يسعى لتدمير النفس الإنسانية ويقتل الحب والفرح في نفوس الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن