قضايا وآراء

إعلام دولة مؤتمن على قضايا الناس أم إعلام يصفق للحكومة

| أدهم الطويل

من داخل قطاع الإعلام ومن خارجه يكثر الحديث بين مناسبة وأخرى حول ضرورات إصلاح الإعلام الرسمي السوري وإعادة بناء جسور الثقة بين هذا الإعلام والمواطن وتفعيل دوره ليكون جسراً بين المواطن والمسؤول، كما قال الرئيس بشار الأسد خلال أول اجتماع للوزارة الجديدة.
واليوم ومع مجيء الدكتور بطرس الحلاق وزيراً للإعلام يتطلع المهتمون والحريصون إلى «ورشة» إصلاح تقود إلى مرحلة جديدة في الإعلام «الرسمي» السوري، مرحلة يقوم أساسها الشكلي على إعادة تثبيت «ثوابت» هذه «المهنة» وتخليصها من الارتجال والفوضى وانعدام المهنية.
إن الهدف الأولي لقضية إصلاح الإعلام «الرسمي» في سورية هو رفع مردوده، أي زيادة عدد متابعي ومشاهدي وسائل الإعلام السورية وتأسيس جسور ثقة ليست موجودة أصلاً.
وإذا كنا متفقين على ضرورات الحفاظ على استقلال البلاد وأمنها وكرامتها وعدم المساس بالمؤسسة العسكرية وبحرية المعتقد الديني والسياسي، ومتفقين على العمل لتحقيق مصالح سورية الوطنية وتحرير أرضها، تبدو المسألة أصعب عند التعمق بكتلة «الثوابت الوطنية» والمهنية، لأن هذه الكتلة المطاطية هي الحجة الكبرى التي مكنت الحكومات المتعاقبة من السيطرة كليا على الإعلام وتحويله إلى تابع صغير وذليل وناطق باسمها ما أدى عبر عدة عقود إلى تخلفه وقصوره.
وبدهياً إن أول خطوة لإصلاح الإعلام تكون عبر الاتفاق على ماهية الثوابت التي أرهقت الإعلام وقيدته، ليتسنى إسقاط المزيف وغير المبرر منها، وأول هذه الثوابت التي يجب إسقاطها في ذهن المتلقي هي أن وسائل إعلام الدولة ناطق رسمي باسم الحكومة، وهذا أمر مهين للطرفين إذ لا يحوز بالمطلق أن نرهن كل مؤسسات الإعلام وكوادره وطاقاته لهذه المهمة التي يمكن للحكومة أن تكلف شخصاً أو مجموعة أشخاص أو هيئات تنشئها للقيام بهذا الدور، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الحكومة النشيطة والنزيهة والتي تعمل على تلبية مطالب الناس وحاجاتهم، لا تحتاج إلى ناطق رسمي ولا إلى إعلام يصفق ويطبل لها، فعملها وإنجازاتها على الأرض هي الطريق الأصح لنيل رضا الناس وتصفيقهم، وإذا اقتضى الأمر لتوضيح أو شرح أو تبرير موقف ما فكل منابر الإعلام جاهزة لذلك.
إن الإعلام الرسمي حين يتخلص من هذا الدور ويعمل بالمقابل على عكس مصالح الناس وهمومهم يتحول إلى إعلام دولة وينعتق من وظيفته كإعلام حكومي فيستعيد سلطته الرابعة التي تمكنه من استعادة دوره كرقيب على عمل الحكومة كسلطة تنفيذية، وبذلك يقترب هذا الإعلام من الناس ويصبح ضميرهم ومنبرهم والمؤتمن على قضاياهم الصغيرة والكبيرة.
إن الإعلام الوطني المستقل بدوره والمتوازن بأدائه هو أداة للتنمية، ولأن التنمية هدف وطني عام تسعى الدولة بكل سلطاتها لتنفيذه، لذلك وببساطة يجب أن تقتنع الحكومة تماماً بإمكانية وبضرورة وجود وسائل إعلام (رسمية) تمولها هي، لكنها منفصلة عنها بشكل تام من الناحية الإدارية المهنية؛ ببساطة أكثر وجود وسائل إعلام تعمل في إطار الوطن وتجتهد لتحقيق أهدافه كلها وتجسيد سياساته العليا لكن على طريقتها من دون إملاء أو تبعية أو فرض، ، عندها يجب على الحكومة أن تترك الحرية الكاملة للمهنيين في تجسيد هذه المصلحة والتعبير عنها بالطريقة التي يختارونها، وهي بذلك تضعهم في «خانة اليك» لأنها تكون قد حمّلتهم المسؤولية كاملة في ذلك وارتاحت من هذا «الهم الذي حملته، غير مشكورة، طوال عدة عقود، لتتفرغ بعدئذ لإنجاز مهامها التنموية المطلوبة التي لطالما تعثرت بإنجازها.
إعلام مستقل عن الحكومة لكن تحت سقف الوطن
والمؤسسة الإعلامية (الرسمية) التي تمولها الدولة هي مؤسسة وطنية سلطوية مستقلة «مهنيا» عن السلطة التنفيذية، ليست حرة في العمل ضد مصلحة الوطن ومواطنيه، وليست أيضاً مقيدة بآراء الحكومة وتفاصيل سياستها، هي تعمل في إطار الوطن وتحت سقفه، وأفكارها وسياساتها وطنية، بل عليها أن تجتهد في الدفاع عن مصلحة الوطن ومواطنيه ضد كل الأعداء في الداخل والخارج، علماً أن الوطنية هي مجموع واجبات المواطنين وحقوقهم ومصالحهم في الوطن لا تحدها ولا تحددها الحكومة، أية حكومة مهما كانت «وطنية» أو حزبية، وهي -أي الوطنية- لا يجوز قصرها على انتماء أشخاص إلى حزب دون آخر أو جماعة دون أخرى أو دين دون آخر، وليس صحيحاً بالضرورة أن ترتفع نسبتها لدى أعضاء الحكومة أكثر من باقي المواطنين، ثم من قال إن الحكومة وحدها الحريصة على مصالح المواطنين، هي تجتهد لتحقيق ذلك بحكم عملها الرسمي لكنها قد تخطئ، وعندها يجب أن تحاسب، لكن كلما كانت الحكومة قادرة (فنياً) وبشكل مباشر على معرفة حاجات ومتطلبات مواطنيها ازدادت قدرتها على تحقيق هذه الحاجات.
وهنا يلعب إعلام الدولة المستقل عنها دوراً فعالاً في تعريف الحكومة بهذه الحاجات، بما فيها حاجاته السياسية والفكرية ويمنع إهمالها ويوضحها ويبرزها بعيداً عن الارتجال والتقشف والعسف والفوقية التي قد تقع بها الحكومة أثناء السعي لتلبية حاجات المجتمع، وكلما شعرت وسائل الإعلام باستقلالها عن الحكومة تطور دورها وازداد صحةً وشفافيةً لمصلحة كلا الطرفين المواطن والسلطة، وبالتالي لمصلحة الوطن برمته.
لكن السؤال أخيراً هل المسألة هي مجرد قرار، يحول الإعلام الرسمي إلى إعلام دولة يعمل على عكس مصالح الناس وهمومهم؟
إن الأمر يحتاج إلى قرارات وإجراءات شاملة منها ما هو تشريعي بالضرورة، لكن الأمر الأصعب هو ماذا سيجري على أرض الواقع، فتبعية الإعلام عدة عقود، أدت إلى نشوء أطر وكوادر متّبعة وتابعة بالتعود، تتصف أساساً بضعف الموهبة وانخفاض الحرفية وقد رضيت أو هي امتهنت دور المداح والمصفق للحكومة ليتم التغاضي بالمقابل عن وجودها الخاطئ في الجسد الإعلامي ولذلك سيكون تمسكها الحتمي بمواقعها من بين أهم العقبات و«الخسائر» أمام التحول الإصلاحي للإعلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن