اقتصاد

«دختنوس» تعـطي دروساً في الإدارة الحديثة (قبل 15 قرناً)!

| د. سعـد بساطــة

ومن تكون دختنوس؟ هي حفيدة زُرارة ‏سيد بني تميم وأبيها فارِس مضر، كان أبوها يأتي كسرى فيكرمه، وكان لملك الفرس هذا بنت تدعى دخترنوش- أي بنت الهنيء- فَعرب لقيط الاسم وسمى ابنته على اسمها «قلبت الشين سيناً لما عُرِّبت».
يُروى في العصر الجاهلي أن «دختنوس» هذه كان لها جمال باهر؛ فتزوجت ابن عمها عمرو بن عداس الذي كان غنياً كريماً وذا شرف وجاه، إلا أنه كان طاعناً في السن، ورغم أنه كان يغدق بالمال والهدايا على زوجته إلا أنها لم تتحمل الحياة معه بسبب كبر سنه، ما دعاها إلى إزعاجه حتى قرر تطليقها وكان ذلك في الصيف، وتزوجت بعدها آخر كان شاباً وسيماً إلا أنه كان فقيراً، وفي إحدى السنوات أجدبت الأرض وجاع الناس، وإذا بنياق زوجها الأول عمرو بن عداس تسير في مضاربها، فأرسلت جاريتها لتطلب منه أن يسقيها من لبن الإبل، فأجاب زوجها الأول عمرو قائلا: «الصيف ضيعت اللبن!»، وكأنه يذكرها بالخير والنعم التي فرطت فيها، فلما سمعت دختنوس بعبارته أمالت رأسها على زوجها الجديد وقالت: «هذا ومذقه خير»، والمذق هو اللبن المخلوط بالماء.
أحد الباحثين وجد في الحكاية عدداً من الدروس الإدارية أوجزها فيما يلي:
الولاء والشغف مهمان: لا يفيد أن تتمسك بموظف لا يكن الولاء والانتماء للمنظمة مهما بلغت قدراته وإمكاناته، وحتى لو تمكنت من إيقافه ومنعه من الاستقالة لفترة فسيعود مجدداً ليعاود محاولاته بالرحيل، والأجدى استقطاب كفاءات جديدة لديها شغف وولاء بدل استنزاف الوقت والجهد مع مثل هذه النوعية من الموظفين الذين لن يعملوا بإنتاجية وإبداع ما لم يكن هنالك اقتناع بالرسالة وأهداف المنظمة.
المادة ليست كل شيء: يخطئ البعض بالاعتقاد أن الراتب العالي والمزايا المادية المغرية كفيلة بجعل الموظف يضحي بكل شيء آخر في سبيل البقاء، على حين الواقع أن هنالك عوامل أخرى مهمة، كالاستقرار النفسي والثقافة المؤسسة وبيئة العمل الداعمة والموازنة بين الحياة والعمل وغيرها من العوامل.
الاستقالة ليست دائماً خياراً صائباً: البعض لا يمتلك الصبر والتحمل ويقرر مباشرة المغادرة بعد أي تجربة صعبة في بيئة العمل، على حين يفترض بالإنسان أن يتحمل ويتعلم ويحاول أن يبذل جهده ليتكيف ويطور قدراته ويسهم في التغيير الإيجابي، وينطبق ذلك على القرارات المتهورة بالاستقالة ليجد الشخص نفسه في نار البطالة التي قد تكون في بعض الأحيان أشد قساوة من الصبر على تحديات العمل اليومية.
لا تصنع أعداءً: البعض عند مغادرة عمل ما إلى مكان جديد، ينسف كل جسور الود ويحرق المراكب ويصنع علاقات مضطربة مع رؤسائه وزملائه السابقين، ولكنه ينسى أن الأيام تدور ولا يدري الإنسان متى سيلتقي مرة أخرى بأحدهم، وكما يقول المثل الكوري: «لا تتفل في ماء البئر، فربما تضطر للشرب منه يوماً ما»، والحكمة تقتضي أن يحرص الإنسان على علاقات صحية والمغادرة مع سيرة حسنة وذكرى طيبة مع الجميع ما أمكن ذلك.
احفظ للناس كرامتها: رغم أن العرب تناقلت المثل «في الصيف ضيعت اللبن»، وأصبح يطلق على من يضيع الفرص ولا يقدر النعمة، إلا أن التاريخ حفظ مقولة دختنوس بالمثل الآخر «هذا ومذقه خير»، والتي تعتبر إهانة بالغـة لعمرو بن عداس، فمهما بلغت قوتك وثروتك وسلطتك فإياك أن تهين إنساناً أو تنهر من يسألك حاجة، فإن لم تستطع أن تلبي رغبته فاحرص على التعامل معه برقي واحترام يحفظ له كرامته من دون إيذاء أو تجريح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن