من دفتر الوطن

كاجو.. «وشوية» كذب!

| فراس عزيز ديب

عادةً ما تلجأ الدول التي تمر بأزماتٍ اقتصادية إلى خفض النفقات بالقطع الأجنبي للحفاظ على الكتلة الأكبر منه لدعم صمود العملة الوطنية، وكذلك الأمر تأمين الاحتياجات الأساسية للبلاد، يأتي في طليعةِ هذا الخفض التقنين بنوعية المواد المستوردة حسبَ أهميتها وهو أسلوب متبع في كل دول العالم.
مَطلعَ هذا الأسبوع صدرَ قرار من وزارة الاقتصاد يمنَع استيراد عدة مواد اعتبرَت كمالية من بينها «الكاجو».
ما إن صدرَ القرار حتى أصبح تناولهُ على مواقعِ التواصل الاجتماعي يطغى على الحدث الأفغاني، بدأ الأمر ببعض التعليقات الساخرة، وصولاً إلى فديوهات بثها ناشطون يتهكمون فيها على القرار.
مبدئياً من حق أي شخص أن يتعاطي مع أي خبر بالطريقة التي يراها مناسبة ضمن حدود الأدب والاحترام، وتحديداً أنني كشخص لا أمقت التخوين لكل من يدلي برأيه فحسب، لكني أمقت أيضاً أولئكَ الذينَ يبنون شعبيتهم على تخوينِ هذا وذاك وكأنهم وحدهم من يمتلكون حقَّ توزيعِ شهادات بالوطنية.
لكن في المقابل فإن إبداء الرأي ولو بقالَبٍ ساخر شيء، وقلب الحقائق لإثبات الرأي شيء آخر يدخل في تصنيف الكذب.
آلاف التعليقات وبعضها وصلت إلى فديوهات يدّعي أصحابها بأنهم لا يعرفون ما «الكاجو»، بل يجزمون بأنهم لم يتذوقوه يوماً لأنه مخصص للطبقة المخملية، يا لمخمليةِ هذا المجتمع المبنية على القدرة الشرائية للكاجو!
أعترف أن هذا التعاطي صدمني للوهلةِ الأولى، هل حقاً أن هؤلاء يتحدثون عن «الكاجو» أم عن الكافيار؟! قد نتقبَّل هذا الكلام من طفلٍ ترعرع وكبر خلال عقدٍ من الحرب لم يسعفه القدر أن يعيشَ سورية ما قبل الحرب، لكن أن يكون هذا الكلام صادِراً عن أشخاص عاشوا تلكَ الحقبة وبعضهم يدَّعى من أنه من الطبقة المثقفة فالأمر غريب حقاً؟
هذا النكران للواقع الجميل الذي كنا نعيشهُ ولم ندرك للأسف نعمته، يأتي استمرارية منطقية للوحاتٍ درامية في بعض المسلسلات المسماة كوميدية، كتلك التي تتحدث عن عدم قدرة الشخص على شراء مازوت التدفئة، أو حتى كيلو دجاج، هل حقاً إننا كنا نعيش في البلد ذاته؟ مع العلم أنني أنتمي للطبقة المتوسطة ووالدي رحمه اللـه كان عسكريَّاً.
في الخلاصة: ذاكرة الوطن ليست ملكاً لأحد لكي يقوم بتركيبها كيفما يشأ، ذاكرة الوطن هي ملك لكل من استنشق هواء الوطن، تستطيع أن تنتقد هذا حقك، لكن لا تكذب لتقلب الحقائق وتظهر بمظهر «المهضوم»، فالسوريون الأوفياء مازال في ذاكرتهم أن خير هذا الوطن كان عابراً للحدود.
هل يعلم هؤلاء بأن هناك محافظة سورية كانت أموال الزكاة التي يوزعها الميسورون والتجار خلال فترة الأعياد كافية لتمسح الفقر عن بكرةِ أبيه؟ لماذا تظنون أننا نمتلك ذاكرةَ السمك؟! وتظهروننا بأننا شعب عاشَ معدماً مع أن الواقع لم يكن كذلك؟
القضية هنا ليست قضية «كاجو»، ولو استشهدنا بالمثل القائل «القصة مو رمانة، القصة قلوب مليانة»، القضية ببساطة أن هناك من يجاهد ويقاتل ليمحي من ذاكرتنا بأننا قبل الحرب كنا بأفضلِ حال، هناك من لا يريد أن يقتنع بأن سورية لم يكن فيها فقير إلا من قررَ هو بذاتِ نفسه أن يبقى فقيراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن