قضايا وآراء

طالبان وقابلية التطبيع مع المحتل الأميركي

| تحسين الحلبي

من الواضح أن الهزيمة التي تلقتها الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف الأطلسي في أفغانستان على أيدي مجموعات طالبان بدأت تحمل معها احتمالاً متزايداً لتطبيع متسارع الخطوات بين المنتصر الطالباني والمهزوم الأميركي رغم فظاعة ما خلفه الاحتلال الأميركي خلال عشرين سنة من القتلى الأفغان مدنيين ومسلحين ومن دمار هائل في مختلف ميادين القتال في المدن والقرى.
ترافق الإسراع الأميركي بالانسحاب بإعلان قيادة طالبان بعد احتلالها للعاصمة كابول عن استعدادها فتح علاقات مع جميع الدول، وأعلنت عن ضمانات بعدم المساس بكل من تعاون مع الاحتلال ووقف إلى جانبه، وأصدرت عفواً عن جميع خصومها وعن الجنود الأفغان الذين قاتلوها تحت إمرة جيش الاحتلال الأميركي طوال عشرين عاماً بل أضافت بشكل مخالف لسجلها المعهود المتشدد بأنها لن تمس دور المرأة في العمل والتعليم طبقاً للشريعة الإسلامية وكأنها توجه بهذه الطريقة رسالة ترد فيها على المخاوف التي أبدتها علناً الدول الغربية والولايات المتحدة بهذا الشأن من سيطرة طالبان وسجلها التقليدي في الحكم قبل عشرين سنة، وكأن قادتها يعلنون بذلك عن التزامهم بما وضعته واشنطن وحلفاؤها من شروط للموافقة على تطبيع العلاقات مع طالبان.
يتضح بالمقابل أن طالبان لم تتحدث عن شروط لقبول استعادة علاقات واشنطن معها ولم تعلق على إعلان واشنطن أول من أمس عن «الرغبة بإبقاء البعض من طاقمها الدبلوماسي لمتابعة عملية إخلاء الأميركيين وغيرهم إلى ما بعد الموعد النهائي المقرر في 31 آب الجاري إذا وافقت طالبان».
إذا قارنا بين ما حدث في فيتنام المنتصرة بعد حرب أميركية وحشية على الشعب الفيتنامي وانسحاب القوات الأميركية ونظامها العميل من سايغون عام 1975 بعد حرب دامت عشر سنوات متواصلة وبين ما يحدث الآن في أفغانستان نرى أن القيادة الفيتنامية المنتصرة لم توافق لواشنطن على زيارة لجنة أميركية بعد انسحابها من فيتنام للبحث عن جنود أميركيين مفقودين في مواقع مفترضة إلا في عام 1991 أي بعد 16 عاماً على انسحابها، ولم توافق على تطبيع واشنطن لعلاقاتها مع فيتنام إلا في عام 1995 أي بعد عشرين عاماً، ويذكر أن القيادة الفيتنامية وضعت خطة شاملة طموحاً أنشأت لها مؤسسات وجمعيات بهدف إعادة التأهيل والبناء الوطني والتربوي لجميع الذين خدموا في جيش سايغون العميل وبقية العملاء للقوات الأميركية أو ممن عملوا مع قوات الاحتلال مترجمين وموظفين طوال عشر سنوات في سايغون مقر قوات الاحتلال الأميركي. وكانت هذه المهمة كما قال قادة فيتنام في ذلك الوقت من أصعب المهام الهادفة إلى إزالة المفاهيم والتأثيرات التي زرعها الاحتلال ولإعادة انخراط جنود سايغون والعملاء في المجتمع الفيتنامي، فما بالك بالمهمة التي لم يتحدث عنها قادة طالبان لإعادة تأهيل وتوعية العملاء والمترجمين الأفغان الذين عملوا مع قوات الاحتلال ضد شعبهم بل ضد مجموعات طالبان نفسها طوال هذه الفترة التي عاش فيها جيل من الأفغان تحت حكم قوات الاحتلال والحكومة العميلة في كابول وتأثيره على ثقافة هذا الجيل وأفكاره.
مع ذلك يبدو أن طالبان لا تجد ضرورة لهذه المهمة لأن العفو الذي أصدره قادتها عن الجنود والمترجمين والعملاء لن يعقبه إعادة تأهيل وسيكون من السهل على هؤلاء بنظر طالبان، إعلان الولاء لها ولمفاهيمها في الحكم وفي العلاقات مع المحتلين الأميركيين الذين ارتكبوا المذابح بهذا الشعب الأفغاني طوال عشرين عاماً وهذا ما تريده الولايات المتحدة بعد انسحاب قواتها وسعيها نحو تطبيع علاقات طالبان معها ومع دول حلف الأطلسي التي شاركت باحتلال أفغانستان ونحو تبني سياسة تخدم المصالح الأميركية.
إذا كانت هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان على الأرض مؤكدة فإن انتصار الأفغان لا يشبه انتصار الفيتناميين الثوريين الذين لم يوافقوا على تطبيع علاقات واشنطن معهم إلا حين فرضوا هم شروطهم في عام 1995 بعد عشرين عاماً على انتصارهم وليس بعد أسابيع أو أشهر لم تجف فيها دماء الأفغان على الأرض، فقادة طالبان يدركون وجود قابلية لتعاون مشترك مع واشنطن، فهم يسمحون الآن للمحتل الأميركي الاستمرار في سحب عملائه الأفغان أمامهم وبحمايتهم من مطار كابول، وهذا ما لم يقم به الفيتناميون وها هو الاتحاد الأوروبي يعلن عن استعداده للتعاون والتطبيع مع طالبان إذا حافظت على «القوانين الإنسانية الدولية»، فيرد قادة الأفغان في أول مؤتمر صحفي يعقدونه في كابول ليعلنوا فيه العفو عن العملاء والمترجمين، واحترام المرأة وانفتاحهم على جميع الدول وهذه رسالة فورية تمهد لاستعداد طالبان للتطبيع الفوري مع الدول التي احتلتها.
يرى الكاتب السياسي الأميركي اليهودي نوح ميلمان في تحليل نشره موقع «ياهو» الإلكتروني بالإنكليزية في 17 آب الجاري أن قابلية طالبان للتعاون مع سياسة مناهضة للصين وروسيا موجودة ويتوقف على قادتها تكرار تجربة كهذه مع الغرب في هذا الموضوع وهم يتمتعون بأهلية في هذا الاتجاه الإسلامي.
وفي النهاية الكل يعرف أن واشنطن لا تقدم عادة شيئاً بالمجان ولكل سياسة ثمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن