قضايا وآراء

هل تمتلك بغداد القدرة والأهلية لإعادة الاستقرار للمنطقة؟

| أحمد ضيف الله

يسعى العراق لاستعادة دوره الإقليمي في المنطقة، بالدعوة إلى عقد مؤتمر قمة لدول الجوار والإقليم لبحث أزمات ومشكلات المنطقة، يضم إضافة إلى تلك الدول، الولايات المتحدة الأميركية ودولاً أوروبية، حيث نقل مبعوثو الحكومة العراقية الدعوات إلى قادة تلك الدول لحضور المؤتمر المزمع عقده في بغداد في الـ28 من آب 2021.
وحتى تاريخه لم يصدر أي توصيف رسمي حكومي عراقي واضح ودقيق عن ماهية هذا المؤتمر، أو عن المحاور الأساسية التي سيجري عرضها أو نقاشها أو الاتفاق بشأنها. وكل ما يجري تداوله هو كلام إعلامي نقلاً عن مصدر حكومي عراقي! يشير إلى أن المؤتمر الإقليمي يهدف إلى دعم استقرار العراق، لكون استقراره يعد بمنزلة دعم لاستقرار المنطقة، وذلك بتقريب وجهات النظر بين الدول المجتمعة كافة، لعقد اتفاقات مشتركة بينها في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وبغض النظر عما يتردد من أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يسعى إلى تعزيز مكانته محلياً وإقليمياً ودولياً، من أجل تهيئة الظروف لعودته مجدداً إلى قيادة العراق عقب الانتخابات النيابية المقبلة، بما لديه من علاقات كان قد بناها مع مسؤولين كثر عندما كان يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات خلال الفترة 2016 – 2020، من خلال الدعوة إلى المؤتمر، فإن توقيت الدعوة لعقد المؤتمر يأتي ضمن تداعيات وتوترات ومخاوف أمنية يشهدها الإقليم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، بسبب السياسات الأميركية العدوانية الفاشلة، وغياب أي رؤية إستراتيجية لها لحل المشكلات التي تسببت بها في المنطقة، فهي مشوشة وضائعة بشأن اتخاذ قرار إعادة العمل بالاتفاق النووي الإيراني ورفع كل العقوبات عن إيران، كما لا تمتلك أي رؤية أو أي صيغة لوقف إطلاق النار في اليمن، وكذا الحال في لبنان وسورية وليبيا، هي تتخبط في تدخلاتها وسياساتها العدوانية في هذه الدول، كما أنها مترددة ومتذبذبة بشأن سحب كامل قواتها القتالية من العراق، ليأتي الهروب المذل من أفغانستان، ليؤكد لكل شعوب العالم، أن سياسات الإدارات الأميركية في المنطقة فاشلة و«خارجة عن القوانين الدولية»، بلا قيم ولا ثوابت ولا أخلاق ولا حتى إرادة في حماية عملائها بالمنطقة. وهو ما استدعى الآن قيامها بتكتيك جديد، وهو التوجيه والإدارة من الخلف، عبر وكلاء ووسطاء طامحين لتمرير السياسات الأميركية بالمنطقة.
المؤتمر الإقليمي في بغداد مدعوم من قبل واشنطن وفرنسا، فقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضوره الشخصي ودعمه للمؤتمر، وهو إن اكتملت ظروف انعقاده بالتاريخ المحدد، سيشهد لقاءات ثنائية وثلاثية ورباعية تجمع الدول المختلفة والمتصارعة لبحث حلول لمشكلاتها، لقاءات تجمع إيران والسعودية على طاولة واحدة، وثانية تجمع مصر وتركيا، وأخرى تجمع الإمارات وتركيا، لمناقشة خلافاتهم، وربما طاولات أخرى للتباحث بشأن تجنب كل ما يعرض سلامة الملاحة والمصالح الدولية للخطر في منطقة الخليج العربي.
العراق سيلعب دور الوسيط بين تلك الدول المتخاصمة لتقريب وجهات النظر فيما بينها لتجاوز خلافاتها، وتحقيق تقارب وانسجام مأمول بين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الإقليم والمنطقة على وجه الخصوص، وفي الوقت ذاته العمل على نسج خيوط علاقات خارجية متوازنة مع دول الجوار والإقليم لدعم استقراره، وإبعاد المتصارعين عن ساحته، ما ينعكس إيجاباً على الساحة الداخلية العراقية.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دعا في الـ8 من آذار 2021 إلى عقد «مؤتمر الحوار الوطني» نهاية آب الحالي، لمناقشة مختلف المشكلات والأزمات التي يمر بها العراق للخروج بوثيقة تؤكد أهمية استقرار العراق، والذي ستساهم إلى حد كبير في نجاح القمة الإقليمية المرتقبة، إذا اكتملت شروط انعقاد هذا المؤتمر أيضاً.
العراقيون قلقون من التشابك والتزاحم الزمني لانعقاد «مؤتمر الحوار الوطني» ومؤتمر القمة الإقليمي، ويستغربون من المساعي التي تبذلها الحكومة العراقية للعب دور الوسيط بين دول آذت العراق وهددت أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، بمباركة الولايات المتحدة الأميركية ودول الناتو، بل آذت المنطقة برمتها بدعمها وتمويلها لمجموعات إرهابية تحت شعار دعم «الثورة والثوار»، فالأمر ما زال غير مفهوم، لماذا يحتاج السعوديون والإماراتيون والقطريون والمصريون والأتراك مساعدة العراقيين؟! ثم ما الضمانات من ألا يقع العراق بالنتيجة ضحية التفاهمات التي يمكن أن تتم بين تلك الدول؟
الرهان على نجاح انعقاد قمة بغداد الإقليمية أو مؤتمر دول الجوار أياً كانت التسمية، والدور الذي يأمل العراق لعبه، مرهون باستقلالية القرار العراقي وعدم تبعيته لأي لاعب إقليمي أو دولي، خاصة أن العراق مازال تحت الاحتلال الأميركي وضغطه.
إن خصومات الأطراف الإقليمية وتعارض مخططاتهم تجاه العراق والمنطقة، واستمرارهم في دعم التشكيلات الإرهابية المشبوهة في المنطقة، أعمق من أن تحلها لقاءات استعراضية عابرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن