طالب الحكومة الفرنسية بأن تغيّر في سياستها لأنها مخطئة … مارياني لـ«الوطن»: لا يمكن أن نفهم عقوبات جماعية على شعب بأكمله فهذا الأمر جنائي
| سيلفا رزوق
اعتبر عضو البرلمان الأوروبي- عضو حزب التجمع الوطني الفرنسي، تيري مارياني، أن الرئيس، إيمانويل ماكرون، كما سلفه، فرانسوا هولاند، يتخذ مواقف سلبية تجاه المنطقة ولاسيما سورية، ورأى أن ماكرون بذلك يضر بمصالح فرنسا، وهذا الخطأ سياسي وإستراتيجي خاصة أن سورية كسبت الحرب واستعاد الجيش العربي السوري معظم الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، والآن يجب علينا التعلم من هذه الدروس وأن نعيد علاقاتنا مع سورية ودول المنطقة.
وفي مقابلة مع «الوطن»، وصف مارياني رؤية الرئيس بشار الأسد تجاه ملف إعادة الإعمار بأنها ذكية جداً، مشيراً إلى أن الرئيس الأسد يعتبر سبب فشل الغرب والولايات المتحدة في أفغانستان هو عدم تمكنهم من تغيير المجتمع الأفغاني فاهتموا بالجانب العسكري وتجاهلوا الجانب الاجتماعي وبعد عشرين عاماً أنهار كل شيء، لذلك فالأولوية بالنسبة له هو تنمية المستوى الثقافي للشعب السوري بحيث يبقى المجتمع السوري موحداً.
ولفت مارياني إلى أن العقوبات تضر مباشرة بالشعب السوري وتجعل حياة السوريين أكثر صعوبة وقال: «نحن يمكن أن نفهم وجود أشخاص وأسماء محددة وممكن أن نفهمها حتى ولو كان ذلك خطأ لكن لا يمكن أن نفهم عقوبات جماعية على شعب بأكمله حيث يصبح هذا الأمر جنائياً عندما تلتقي أشخاصاً ويقولون لك إنه لم يعد لديهم ما يكفي من الطعام وحتى حليباً لأطفالهم فتكتشف أن الأمر لم يعد سياسياً بل جنائياً».
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
• ماذا عن توقيت زيارتكم لسورية وأسبابها؟
نحن هنا لمدة أربعة أيام وقبلها كنا في لبنان وقابلنا رئيس الوزراء وشخصيات أخرى ونحن هنا في سورية لرؤية الأوضاع بعد فرض العقوبات وكيف يواجهها السوريون وبعدها سوف نتحدث عن صدى مواجهة هذه العقوبات في فرنسا والاتحاد الأوروبي.
• تتزامن زيارتكم إلى سورية في وقت تتحضر فيه بغداد لعقد مؤتمر جوار بغداد والذي سيحضره الرئيس الفرنسي وهذا المؤتمر لم تتم دعوة سورية إليه، وهناك العديد من وسائل الإعلام كانت قد تحدثت عن رفض فرنسي لحضور سورية لهذا المؤتمر؟!
هو خطأ كبير من قبل الرئيس الفرنسي ألا تتم دعوة سورية، لأن سورية هي عضو فاعل في هذه المنطقة، والرئيس ماكرون كما سلفه هولاند يتخذ مواقف سلبية تجاه المنطقة ولاسيما سورية، وهو بالتالي يضر بمصالحنا الفرنسية، وهذا الخطأ سياسي وإستراتيجي وخصوصاً أن سورية كسبت الحرب واستعاد الجيش السوري معظم الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، والآن يجب علينا التعلم من هذه الدروس وأن نعيد علاقاتنا مع سورية ودول المنطقة.
أقول ذلك لأن فرنسا لديها روابط عميقة مع بلدين هما سورية ولبنان، ولبنان الآن في وضع سيئ وسورية أيضاً تعاني بسبب العقوبات، وفرنسا تأتي بعد الولايات المتحدة في موقفها الصارخ والسيئ تجاه سورية مقارنة بالعلاقات التاريخية التي كانت تربط البلدين.
• قابلت أول من أمس الرئيس بشار الأسد ما هي الموضوعات التي جرى التطرق إليها في هذا اللقاء؟
نحن أمضينا ساعتين تقريباً في لقائنا مع السيد الرئيس وكان لقاءً خاصاً وترك الرئيس الأسد لنا حرية طرح الأسئلة وحرية التعبير عن كل ما يجول في خاطرنا، حيث بين الرئيس الأسد أن العقوبات ضد سورية تضر بالشعب مباشرة فهو محروم من الكهرباء والغذاء والماء، والرئيس الأسد على وعي تام بما يعانيه الشعب السوري حالياً، وهو قال إن أولويته الآن هي إعادة الإعمار ولاسيما عبر الطاقات المتجددة وخصوصاً ما يستخدم لتشغيل الكهرباء.
تحدثنا مع الرئيس الأسد عن وضع الشعب السوري، وفي القسم الثاني تحدثنا عن الوضع الحالي فيما يخص الحرب، فنحن اليوم، ورغم استعادة معظم الأراضي السورية، بقي هناك جزء محتل وهي منطقة إدلب التي يتواجد فيها إرهابيون بدعم من الدولة التركية، ومنطقة أخرى محتلة في الشرق لا غنى عنها بالنسبة لسورية ويقوم الاحتلال الأميركي بنهبها بدون أي حق، وأكد الرئيس الأسد أن استعادة كامل المناطق المحتلة هي أولوية بالنسبة لنا وأود أن أركز على هذه النقطة حيث وجدت أن لدى الرئيس الأسد رؤية ذكية جداً تجاه ملف إعادة الإعمار في كثير من الحالات تبدأ إعادة الإعمار بالأبنية لكن بالنسبة للرئيس الأسد تبدأ إعادة الإعمار بإعادة الماء والكهرباء والخدمات الأساسية.
بطبيعة الحال تحدثنا عن الوضع الدولي لاسيما في أفغانستان لأن ما حصل في أفغانستان مثال صارخ على فشل الغرب والولايات المتحدة ويقول الرئيس الأسد إن سبب فشل الغرب والولايات المتحدة في أفغانستان عدم تمكنهم من تغيير المجتمع الأفغاني فاهتموا بالجانب العسكري وتجاهلوا الجانب الاجتماعي وبعد عشرين عاماً أنهار كل شيء لذلك بالنسبة للرئيس الأسد أعاد وشرح لنا الأولوية وهو تنمية المستوى الثقافي للشعب السوري بحيث يبقى المجتمع السوري موحداً.
وأخيراً أكد الرئيس الأسد ضرورة أن يأتي السياسيون والصحفيون الأوروبيون إلى سورية لأنها أفضل طريقة للاطلاع على الحقيقة فغالبية زملائكم «الصحفيين» يتحدثون عن سورية من دون أن يعرفوها أو يزوروها سابقاً.
• ماذا عن لقاءاتك التي أجريتها في دمشق أمس وكيف ترى تأثير العقوبات الغربية على الشعب السوري؟
لقاؤنا أمس في غرفة صناعة وتجارة دمشق كان مهماً للغاية لأنه كان مع العناصر الفاعلة في سورية وللأسف أكدوا لنا ما سبق وسمعناه من الرئيس الأسد بالأمس بأن العقوبات تضر مباشرة بالشعب السوري وتجعل حياة السوريين أكثر صعوبة طبعاً نحن يمكن أن نفهم وجود أشخاص وأسماء محددة وممكن أن نفهمها حتى ولو كان ذلك خطأ لكن لا يمكن أن نفهم عقوبات جماعية على شعب بأكمله حيث يصبح هذا الأمر جنائياً عندما تلتقي أشخاصاً ويقولون لك إنه لم يعد لديهم ما يكفي من الطعام وحتى حليباً لأطفالهم فتكتشف أن الأمر لم يعد سياسياً بل جنائياً ولتشديد هذه العقوبات تم فرض عقوبات مالية بحيث لم تعد المصارف ترغب بأي تعامل مع سورية واليوم لا يستطيع أي بائع أو مشتر له علاقة بسورية أن ينفذ أي عملية تجارية ويجب عليه أن يلجأ إلى وسطاء ماليين وبما أن أي عملية تجارية باتت الآن تحتاج إلى هؤلاء الوسطاء فالنتيجة أن البضائع أصبح سعرها مضاعفاً لذلك الخطأ هنا على ثلاثة مستويات الأول خطأ تجاه الشعب الذي لا دخل له بالسياسة لأنه يؤدي إلى مجاعة، والخطأ الثاني اقتصادي لأن أوروبا ليست وحدها على الخريطة فمثلاً الصين والهند بدأت تأخذ مكانها وتورد على سبيل المثال الآلات الصناعية إلى سورية، أما الخطأ الثالث بالنسبة لفرنسا وأوروبا أيضاً لأنه في اليوم الذي تنتهي فيه هذه العقوبات ويجب أن نعود لنمارس الأعمال مع السوريين سيقولون لنا نعتذر لأننا نعمل الآن مع الصين والهند وهذا يعني أننا في أوروبا خسرنا أسواقاً.
• كيف ستنقل ما رأيته في سورية إلى الفرنسيين والأوروبيين كونك عضواً بالبرلمان الأوروبي؟
أنا وزميلي هيرفي جوفان في كل مرة ستتاح لنا الفرصة لنتحدث في منابر رسمية أو في الإعلان وفي البرلمان الأوروبي سنروي حقيقة ما نشاهده في بلدكم ويكفي أن نقول الحقيقة.
• أشرت إلى الزيارات التي قمت بها إلى سورية وتحدثت عن زملاء لك زاروا دمشق أيضاً وتتحدث أيضاً للشعب الفرنسي عما تراه في سورية كما ذكرت هل لا تزال نظرة الشعب الفرنسي وأوروبا هي ذاتها حول ما يجري في بلادنا منذ عشر سنوات وحتى الآن؟
الفرنسيون مثل باقي شعوب أوروبا يفكرون في بعض الأحيان أنكم تخوضون حرباً منذ عشر سنوات وانتصرتم فيها وأعرف جيداً أن الحرب لم تنته بعد لكن النتيجة باتت محسومة أول مرة زرت سورية عام 2014 أذكر جيداً كيف كنا نتنقل تحت القذائف ومن ثم تم تحرير حلب لذلك عندما يفكر الأوروبيون بما يحصل في سورية يستنتجون أن هذه الدولة وهذا الرئيس لا يمكن أن يكون وصل إلى يومنا هذا دون أن يكون مدعوماً من شعبه.
في أوروبا وفرنسا نحن مصدومون مما جرى في أفغانستان وأعرف قليلاً أفغانستان لأنني كنت الممثل الخاص لبلادي هناك في عامي 2009 و2010، وبقيت قرابة العام والأوروبيون والفرنسيون يقارنون بين ما حصل في سورية وأفغانستان علماً أن شعبيهما لا يوجد بينهما أي مقاربة فالشعب الأفغاني لم يقاتل حركة «طالبان» واستسلم فوراً، بالمقابل نرى الشعب السوري الذي وقف مع جيشه وانتصر في الحرب على الإرهاب، وهنا أستقي ما قاله الرئيس بشار الأسد بأن «السوريين يعرفون كيف يعيشون مع بعضهم بعضاً ويعرفون كيف يتسامحون فيما بينهم».
لأكون صريحاً فإن معظم وسائل الإعلام الأوربية لا تنقل حقيقة ما يحصل في سورية لذلك عندما أعود لفرنسا أتعرض لسيل من الأسئلة حول الأوضاع الأمنية في دمشق وإن كنت قادراً على السير في شوارعها وأنا أجيب بأن الوضع في دمشق لا يقل خطورة عن الوضع في باريس وهذه الأسئلة تبين تأثير الإعلام الغربي على الرأي العام الأوروبي لكن الآن هناك تساؤلات جدية في أوروبا حول حقيقة ما جرى ويجري في سورية حيث اكتشف العديد أن الوضع في سورية يختلف عما يخبرونهم به وبأن الوقت ربما حان لتغيير سياستنا.
• من دمشق بماذا تخاطب حكومة بلادك اليوم؟
رسالتي للفرنسيين أنه يجب أن نغير في سياستنا لأننا مخطئون وهذا في مصلحة الشعب السوري لأن ما نقوم به جريمة وهذا من مصلحة فرنسا أيضاً لأن لدينا علاقات ممتازة مع سورية ونحن الآن نحطم ما تم بناؤه من علاقات خلال عقود من الزمن.
ومن خلالكم أتوجه للشعب السوري وأريد أن تكون رسالتي للشعب السوري وليس للشعب الفرنسي وأقول لهم إن في فرنسا الكثير من الأشخاص الذين ما زالوا يذكرون العلاقات التي كانت تربطنا وهناك الكثير من الفرنسيين رأوا معاناة الشعب السوري وهناك الكثير من الفرنسيين الذين يتمنون عودة العلاقات كما كانت من قبل.
وأشكر الرئيس الأسد على حرصه بأن تبقى اللغة الفرنسية تدرس في المدارس السورية.