قضايا وآراء

آسيا الوسطى نحو تمدد روسي صيني

| هديل علي

باتت آسيا الوسطى خالية من الوجود العسكري الأميركي، فلا قواعد عسكرية أو قوات موجودة بأي صفة، بعد أن فجعت واشنطن حلفاءها بالانسحاب من أفغانستان، تضاربت مواقف الدول في وصفه كل حسب دورها ومدى تعاطيها بالشأن الأفغاني، فروسيا نعتته بالفشل الذريع لسياسات واشنطن، وأوروبا أعربت عن صدمتها، خاصة أن أحداً لم يستشرها بشأن هذا الانسحاب، فيما باركت قوى أخرى ما وصفته «بنصر لطالبان» بعد عشرين عاماً من الهزيمة، وكل هذا قوبل بتصريحات على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، أقل ما يقال عنها إنها غير مسؤولة، فمن غير المعقول أن يقول إنه تفاجأ بسرعة سقوط السلطة الأفغانية المدعومة من القوات الأميركية، كما أنه من غير اللائق أن يعزو ما حصل هناك إلى عدم التوافق -كما اسماه- بين الجهات الاستخباراتية التابعة له.
آراء المحللين التي تحدثت عن صفقة أميركية مع طالبان ضعيفة، رغم دعمها بدلائل حول إبقاء واشنطن معدات عسكرية باتت بحوزة الحركة بعد الانسحاب الأميركي، لأن أميركا لا تسحب معداتها العسكرية الخفيفة والخالية من التكنولوجيا عادة، فتكلفة سحبها مرتفعة جداً ليكون الرأي القائل بفشل واشنطن في أفغانستان مرجحاً على الرأي القائل بوجود صفقة مع «طالبان».
من الواضح أن القوى الإقليمية في آسيا الوسطى هي التي ستنسج مستقبل أفغانستان، ولكن بحذر وحسب السلوك السياسي الذي ستتبناه حركة طالبان بالنسبة لدول الجوار، فالكرة الآن في ملعبها، خاصة أن لا نفوذ أميركياً في المحيط الجغرافي والسياسي في آسيا الوسطى بأكملها، ولم تعد هناك قوات عسكرية أميركية في هذا الحيز الذي يضم جمهوريات كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وأيضاً في منغوليا وباكستان والجزء الشمالي الغربي من الهند وأخيراً في أفغانستان، حيث سقطت مع هذا الأفول الأميركي محاولة تطويق روسيا من الجنوب، فموسكو عملت على ضمانات الحماية العامة ضد طالبان، عبر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي المشتركة، التي حصلت دولها على عروض تفضيلية في شراء الأسلحة الروسية الحديثة، الأمر الذي استفادت منه هذه الدول فاشترت الدبابات والمروحيات وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة.
أما الصين فترى أن الانسحاب الأميركي مهما كانت نتائجه فهو حتماً لمصلحتها تكتيكياً وإستراتيجياً، خاصة أنها عملت على تفعيل شبكات الاقتصاد والتبادل التجاري مع جمهوريات آسيا الوسطى وربطها بالنمو الاقتصادي السريع، لتتفوق بذلك على علاقات أميركا بهذه الجمهوريات بمرات عديدة، فبكين ترى في الانكفاء الأميركي المريب فرصة لها للعب دور رئيس في تنمية أفغانستان، واستطالة نفوذها أكثر، وهو ما تجلى على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الذي أكد أن حركة طالبان أعربت مراراً عن أملها في تطوير علاقات جيدة مع الصين، وتتطلع إلى مشاركتها في إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان، وحتى قبيل دخول الحركة إلى كابل والسيطرة عليها، قال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»: «إن طالبان تعّد بكين صديقة لأفغانستان وتأمل في إجراء محادثات مبكرة مع الصين بشأن المساعدة في إعادة الإعمار في المستقبل»، حيث أشارت الصحيفة إلى اهتمام الصين باحتياطيات أفغانستان من النحاس والفحم والحديد والغاز والكوبالت والزئبق والذهب والليثيوم والثوريوم، ناهيك عن إمكانية جعل أفغانستان جزءاً من مشروع الصين الإستراتيجي الضخم «حزام واحد، طريق واحد»، وهو أمر ألمحت إليه باكستان صاحبة العلاقات العميقة مع «طالبان»، بعد أن أعربت بوضوح عن رغبتها بانضمام كابل إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يضم مشاريع بنى تحتية بقيمة 62 مليار دولار.
أمام هذا المشهد الذي تتشابك فيه مصالح القوى الإقليمية في وجه المصالح الأميركية، كان انسحاب واشنطن أمراً حتمياً عاجلاً أم آجلاً، لتكون الفرصة كبرى لمصلحة ألد أعداء الولايات المتحدة موسكو وبكين لتصفية ما تبقى من مصالح أميركية هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن