من دفتر الوطن

احتكار!

| فراس عزيز ديب

يمكننا ببساطةٍ تعريف الاحتكار على أنه انفراد مشروعٍ بتقديمِ منتج لا بديل له، ما يعني غيابَ المنافسة الذي يفرض على المستهلِك السعر والمواصفات لانعدام البديل.
قبل عامين فتحت المفوضية الأوروبية عبرَ لجنة مكافحةِ الاحتكار في الاتحاد الأوروبي تحقيقاً مع شركة غوغل تتعلق بممارسة الشركة لنوعٍ من الاحتكار الرقمي للبيانات والمعلومات، تحقيقات أفضت إلى فرض غراماتٍ على غوغل وصل مجموعها إلى حدود ثمانية مليارات دولار، ليبقى السؤال المطروح:
كم درّ هذا الاحتكار من أموال على عملاقِ التكنولوجيا لدرجةٍ تجاهل فيها العقوبات وأمعنَ في الاحتكار؟
في شرقنا البائس غالباً ما يكثر الحديث عن إلقاء القبض على محتكرين، عندها تسأل نفسك:
وماذا لدينا من إبداعات فكرية وإنتاجية لكي يصبح لدينا محتكرون لها؟ لن يطول الوقت حتى يصلكَ الجواب مع توارد الأخبار عن اكتشافِ مستودعات لتجار ومستوردين يقومون بحجب السلعات الأساسية التي يستوردونها بسعرِ دولارٍ مدعوم أو يصنعونها عبرَ مواد أولية غير خاضعة للضرائب. ستشعر بالسخرية من هذا المصطلح إذ كيف عجزت كل التشريعات والقوانين وحتى الفتاوى عن منع «احتكار» الدواء أو السكر أو حتى الوقود؟!
هناك من بات يمتلك وسائط لمتابعة ومنع حتى الاحتكار الرقمي، ونحن ما زلنا نقاتل من أجل منع احتكار موادنا الأساسية وبعد ذلك هناك من يسأل: لماذا يجري ما يجري؟
لندقق الآن في الفرق بين الاحتكارين، الأول هو نتاج فكري لا يمس حياة المواطن، الثاني هو نتاج انعدام التفكير الذي جعل لقمة المواطن بيد التاجر. الأول لم يتسبب بوفاة طفلة لأن هناك من يخبئ معلومات تبدو بالنسبة لها ترياق حياة، فيما الثاني ستكثر ضحاياه مع فقدان مادة حليب الأطفال مثلاً وقد يتسبب بولادة امرأة على بوابة أحد المستشفيات لأنهم ببساطة لم يتمكنوا من إيصالها في الوقت المناسب بسبب عدم توفر الوقود.
النقطة الثانية، لم يمنع اسم شركة غوغل ونفوذها من المحاكمة، بل إن الأمور ذهبت نحو التهديدات والتهديدات المباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات المفروضة على الشركة، لكن الاتحاد الأوروبي أصر يومها على السير بعيداً في العقوبات كردٍّ على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بنك «بي إن بي باريبا» بتهمة انتهاك حظر التعاون مع إيران، أما في شرقنا البائس فيبدو هكذا نوعيات من التجار آخر من يتعرض للمحاسبة، حتى إن قررنا ولو من رفع العتب أن نعاقب فإننا سنتجنب المورِّد الرئيسي.
في الخلاصة: مع التطور التقني الذي وصلَ إليه هذا العالم وتحول العالم إلى قرية صغيرة، سيشعر مصطلح الاحتكار بالعار عندما نربطه بقضايا باتت من العصور الحجرية، ضاعت هيبته عندما حوله غيرنا كصراعٍ لغزو الفضاء أو اكتشاف الثروات في أعماق البحار والمحيطات، ونحن عاجزون تماماً عن اكتشاف ماذا يوجد في المستودعات المحاذية لمخفر منع الاحتكار! ترى ما السبب؟
ربما الأسباب كثيرة تبدأ بعبارة من أمِنَ العقاب أساءَ الأدب وقد لا تنتهي بعبارة سعر الدولة وسعر السوق السوداء! من هنا تبدأ المشكلة ومن هنا تبدأ الحلول وما عدا ذلك هو مضيعة للوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن