من دفتر الوطن

تسويق الفرح في سوق الحزانى!

| عصام داري

أرغب اليوم في الخروج عن المألوف، على الأقل الخروج على ما درجت على كتابته عادة، سواء كانت كتابات نقد للسالب والسالب، أم كتابات تسخر من وضعنا ولا تصف الدواء.
اليوم سأتحاور مع نفسي، أي سأتحاور مع أنا، وأسأل هذه النفس التي أحملها داخلي لسنوات وأعوام: هل أنا راضٍ عن أنا؟ ماذا أنجزت طوال تلك السنوات، وهل عرفت كيف أصطاد لحظات الفرح والحب والشباب قبل المغيب، وهل كانت رحلتي تستحق عناء الولادة أصلاً؟
كل موعد ضاع في زحمة الأيام والأحزان، ترك جراحاً في القلوب، وشطب أياماً من دفاتر حياتنا الضائعة أصلاً في روتين الزمن، وعقارب الساعة مازالت تلدغ عمرنا، و.. فجأة نجد أنفسنا وقد تجاوزنا منتصف الطريق، ونكاد نبلغ نهايته من دون أن نتزود بذخيرة من حب وفرح وسعادة، ونكتشف، أننا أضعنا أعمارنا في كهوف من الابتعاد وصرفنا من بنوك حياتنا سنوات على توافه الأمور، وأهملنا قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، فأهملتنا وسلمتنا للنسيان.
تعب قلبي من الرحلة الطويلة وآن له أن يستريح، أحتاج إلى ركن قصير هادئ أهرب إليه من صخب ودجل وأكاذيب هذا العالم الذي صار مسرحاً للفوضى والصراخ ومرتعاً للشياطين والأبالسة.
أريد سماع لحن ساحر كشهرزاد لريمسكي كورساكوف.. أو القدر يقرع الباب، ، يحطم الأبواب.. للدانوب الأزرق.. وبردى الملوث بفعلنا نحن الذين لوثنا كل النقاء الذي كان، ولن يعود!.
أحتاج إلى رحلة عبر الأثير إلى عالم لا يعرف الكراهية، أنا بانتظار ولادة زمن حب جديد، وأخشى أنه لن يرى النور أبداً.
أنا أتحدث مع أنا وأسأله: ألست أنت ملك التفاؤل وأمير الأمل الآتي دائماً؟.. يجيبني ببرود وحزن يكاد ينفجر: مهما كانت مساحة التفاؤل واسعة، وفسحة الأمل شاسعة، لا بد أن تتسلل سحابة الحزن، وأن تزورنا الكآبة وتغير مسارات الكتابة.
ربما اعتدنا على تقبل الحزن المصنوع على مقاس المشاعر، بل الأكبر من قوة التحمل والاعتياد، لكننا نغلف حزننا بورق براق اسمه الفرح، ونرسم على الغلاف عبارات الأمل والتفاؤل، لأننا ندرك أن من لا يملك الأمل تتبخر من أمامه كل فرص الحياة، ونحن عشاق الحياة والحب وقلوبنا تعزف دائماً لحن العشاق الخالد، وما بين فرح وحزن، وما بين سعادة وتعاسة تمضي الأعوام مسرعة متجهة إلى خط النهاية.
لا يمكنني أن أنهي كلامي بالتشاؤم وألوّن هذه الصفحة بالأسود، فمهما عبّرنا عن تشاؤمنا ويأسنا فلا يمكننا أن ندفن ذرة الأمل الموجودة في أنفسنا، لأنها الدليل الأخير على أننا أحياء، وعلى حرصنا على الحياة وتمسكنا بها، لنتابع الرسالة التي من أجلها أتينا إلى هذه الدنيا، وربما أختلف مع هذا الأنا الذي حاورته فلم يعجبه كلامي، ولم تعجبني أفكاره، وسأعود كما كنت دائماً:أسوق الفرح في سوق الحزانى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن