قضايا وآراء

المستوطنون بين طريق القوة المسدود والهجرة المعاكسة المفتوحة

| تحسين الحلبي

في موقع مجلته الإلكترونية الإسرائيلية «اللعبة الكبرى» يحاول الباحث الإسرائيلي الذي خدم في سلاح الجو سابقاً نيتسان ديفيد فوكس تحليل الأسس الثلاثة لما يسمى «مفهوم الأمن» للكيان الإسرائيلي وهي: «الردع، والإنذار المبكر، وحسم الحروب والمعارك بسرعة وبأدنى الخسائر» وهي التي وضعها ديفيد بن غوريون في عام 1953 لجيش الاحتلال منذ ذلك الوقت، وبقيت قائمة بشكل عام حتى الآن.
وفي تحليله لهذه الأسس وتبني استخدامها في كل ما شنته وواجهته تل أبيب من حروب ومعارك يؤكد فوكس أن «الردع لم يحقق المطلوب منه لأن بعض الدول وأطراف الجوار العربي من جنوب لبنان إلى قطاع غزة إلى حدود الجولان ما زالت تبادر إلى شن عمليات هجومية على إسرائيل بأشكال مختلفة ولم تنته، ولأن الإنذار المبكر سقط منذ حرب تشرين عام 1973 ولم يعد له القيمة المطلوبة، أما حسم الحروب بسرعة وبأدنى الخسائر فتاريخ الحروب يدل على عجز إسرائيلي بارز في تحقيق هذا الهدف».
والحقيقة أن حرب جيش الاحتلال على لبنان عام 1982 استمرت 18 عاماً من دون أن تحقق الأسس الثلاثة لهذا المفهوم الأمني، وأثبت تاريخ الحروب الصغيرة التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة منذ عام 2007 حتى الآن أن هذه الحرب لا تزال مستمرة من دون أن تحقق الردع أو الحسم، وهذا ما يعترف به فوكس حين يستنتج في تحليله فيرى أولاً: أن المشكلة في هذه الأسس الثلاثة جعلت إسرائيل غير قادرة على التفكير بشن الحروب الشاملة كوسيلة من وسائل الدولة أو كمرحلة في عملها السياسي الرسمي المطلوب، ثانياً: إن فقدان عامل التفوق الكمي لإسرائيل يجعلها عاجزة عن تحقيق انتصار تُخضع فيه أعداءها وتفرض إرادتها عليهم وهذا يثبت أنها لن تستطيع تحقيق انتصار حاسم قاطع عليهم، ما يعني في الوقت نفسه أن أي إنجاز تحققه يبقى مؤقتاً وغير ثابت ودائم، ويعترف فوكس أن كل الجولات الحربية لجيشه لم تغير وضع الأعداء بشكل جوهري، وفي واقع الأمر يثبت تاريخ شن الحروب الإسرائيلية بعد كل انسحاب لجيش الاحتلال كانت المقاومة تجبره عليه من دون شرط أو قيد، أن قدراتها تزداد أكثر فأكثر سواء في جنوب لبنان بعد عام 2000 و2006 أم في قطاع غزة بعد عام 2005، من دون أن يتمكن حتى في جولات حروبه الإضافية على تلك المناطق من النجاح في تخفيض قوتها ودورها كجبهة مقاومة مستمرة، وهذا ما جسده أيضاً انتصار الجيش العربي السوري بشكل بارز على الحرب الكونية التي شنت على سورية طوال عشر سنوات بمشاركة إسرائيلية مباشرة وغير مباشرة، وتمكنت سورية من زيادة قدراتها الحربية وخبراتها القتالية.
ولذلك يستمد من هذا الواقع الاستنتاج بأن هذه الأمة وشعوبها لم تخضع أيضاً لا للردع الدولي الذي يراد فرضه على الشعب الفلسطيني بالتنازل عن وطنه ولا لسياسة النظام الرسمي العربي التي تسعى بعض دوله من خلالها لدفع الشعب الفلسطيني إلى التخلي عن مقاومته وحقوقه الشرعية والقانونية، وهنا تكمن قيمة وحدة المقاومة التي تجمع أطراف وقوى محور المقاومة في مجابهة هذا الكيان المحتل لأراضي الجولان السوري وأراضي فلسطين، وحين ينظر المستوطنون إلى هذه المقاومة التي تقلق كل مظاهر وجودهم وحياتهم وفشل جيش الاحتلال في حسمها وإنهائها ووقوف الدول العربية كلها إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير الجولان، ستجعلهم هذه الحقيقة يشكون في ضمان بقائهم في الأراضي المحتلة وتدفعهم إلى فقدان ثقتهم بقدرة جيشهم ومن يدعمه من القوى الكبرى في حمايته، وفي مرحلة كهذه يظهر النصف الآخر لطريق استكمال الانتصار باستعادة الحقوق، ففي مرحلة كهذه لن تكون الولايات المتحدة قادرة على حماية هذا الكيان وستجبر أمام الواقع على التسليم بهزيمته أمام شعب لم يتنازل عن حقوقه ومستقبله فوق وطنه وتراثه التاريخي الديني والقومي، فقد سلمت واشنطن بهزيمة جيش أفغانستان الذي أنشأته وسلحته بعد عشرين سنة من الدعم والبناء المستمر لقدراته وتخلت عن حكومته مثلما فعلت ذلك مع جيش سايغون في فيتنام حين تخلت عنه وعن حكومته عام 1975.
وهذه الحقائق بدا المستوطنون في الكيان الإسرائيلي يستحضرونها حيّة ويرون كيف تخلت واشنطن وجيشها عن حماية عملائها والمرتزقة الذين دافعت عنهم بقواتها وقوات حلف الأطلسي طوال عشرين عاماً، ولا شك أن المستوطنين يدركون فائدة وجود جنسياتهم الأوروبية والأميركية معهم والقابلة للاستخدام من أجل العودة إلى الدول والأوطان التي حملتهم منها بريطانيا الاستعمارية إلى فلسطين، ويلاحظ عدد من المحللين في تل أبيب وجود نسبة من الشباب الذين بدؤوا يزيدون اهتمامهم بلغة أهلهم الأصلية واستعادة الحديث بها وبثقافتها ويرون بالمقارنة أن سبعة ملايين فلسطيني ما زالوا يحيطون بهم وبمستوطناتهم فيما بقي من وطنهم بلغة واحدة هي العربية وبثقافة فلسطينية تتمسك بالأرض والتاريخ ولا وطن لهم سوى وطن واحد موغل في تاريخهم هو فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن