قضايا وآراء

لنصدق أميركا مرة واحدة فقط!

| منذر عيد

عشرون عاماً شغلت الولايات المتحدة الأميركية العالم برمته بموضوع أفغانستان وحربها على الإرهاب، عشرون عاماً عانت المنطقة برمتها من تداعيات وارتدادات «الكذبة» الأميركية بشأن سبب وجودها الحقيقي في أفغانستان، أنفقت تريليون دولار وعدة مئات من المليارات التي دفعها حلفاؤها في «الناتو»، وتجاوز عدد قتلاها 2300 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح، وهدرت وسرقت بمقدار ما دفعت من ثروة أفغانستان، والنتيجة في النهاية عودة سيطرة الإرهاب وحركة طالبان على البلاد، تلك النتيجة التي قطعت القوات الأميركية آلاف الأميال للحؤول دون تحقيقها «ظاهراً».
والحقيقة أنه منذ تشرين الأول 2001 حتى الأمس مع إجلاء آخر جندي أميركي من مطار كابول، ثمة سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين مع كل تصريح أميركي يلي «هزيمة» واشنطن في المنطقة، هل نسيء التقدير في مسألة حقيقة ما يعمل عليه الأميركي، وخاصة بعد سيل التصريحات والتحليلات والتأويلات التي أجمعت برمتها على أن ما جرى هو خروج مذل للولايات المتحدة الأميركية، على حين أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن المهمة العسكرية لقوات بلاده قد انتهت، وأن فصلاً جديداً من التزام أميركا في أفغانستان قد بدأ؟ عن أي مهمة يتحدث بلينكن؟
في تفسير كلام رئيس الدبلوماسية الأميركية وبعيداً عما يسمى «الفوضى والتنافر المعرفي» فإن هدف أميركا في أفغانستان كان تلك النتيجة التي شاهدها العالم قبل أيام، سيطرة طالبان، وبالطبع سيطرة ضمن شروط «ولجام» أميركي يجعلها لاحقاً حليفاً وذراعاً أقل تكلفة من حكومة أفغانستان الشرعية، وعصا تلوح بها في وجه أعدائها في المنطقة كالصين وروسيا وإيران، وهذا يؤكده بلينكن بقوله: «إن الولايات المتحدة ستعمل مع حركة طالبان المتشددة إذا وفت بتعهداتها، الأمر الذي تلقفته طالبان وتجاوبت مع الغزل بالغزل، من خلال تصريح المتحدث باسم الحركة ذبيح اللـه مجاهد الذي قال: «نريد علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والعالم، ونرحب بعلاقات دبلوماسية جيدة معهم جميعاً».
ما عملت عليه الولايات المتحدة في أفغانستان من «انسحاب مسلوق»، ليس سوى مخرجات لمقدمات مدروسة ومتفق عليها، لشرعنة حكم طالبان، وهو ما تحدث عنه رئيس استخبارات النظام السعودي الأسبق تركي الفيصل في مقابلة مع قناة «cnbc»، مؤكداً أنه لم يفاجأ مما حدث في أفغانستان، وأن الولايات المتحدة الأميركية اختارت طالبان لتخلف الحكومة، حين عقد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب صفقة مع الحركة التي وصفها بعدو الحكومة، وهو ما تفسره أيضاً صحيفة «لوموند» الفرنسية بتاريخ 14 الشهر الماضي تحت عنوان أسباب انهيار الجيش الأفغاني أمام حركة طالبان الذين فوجئوا بتمددهم السريع على حين احتاجوا إلى فترة عامين بين 1994 – 1996 أثناء الحرب الأهلية للاستيلاء على السلطة، بينما في هذه المرة استطاعوا في غضون 45 يوماً الاستيلاء على أجزاء كثيرة في الشمال، والجنوب وغرب البلاد مقتربين من العاصمة كابل.
ربما يتهمنا البعض بالمبالغة، والتغريد خارج سرب الحقيقة، وبأننا من أصحاب «نظرية المؤامرة» و….و، وعليه لا بد من التذكير أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كونداليزا رايس، قد تبنت مفهوم «الفوضى الخلاقة»، وأوضحت لصحيفة «واشنطن بوست» عام 2005 كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من «الدكتاتورية» إلى الديمقراطية، معلنة أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة «الديمقراطية»، حيث ترى «الفوضى الخلاقة» أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالعنف والرعب والدم، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة، أليس ما يجري في أفغانستان وغيرها تطبيقاً لكلام رايس؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن