قضايا وآراء

سورية الحاضر الغائب في مؤتمر بغداد

| أحمد ضيف الله

انعقد «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» في الـ28 من آب 2021، بمشاركة 9 دول، منها 5 مجاورة للعراق هي: السعودية والأردن والكويت وإيران وتركيا، و3 دول عربية إقليمية هي مصر والإمارات وقطر، ودولة أوروبية هي فرنسا، استمر أقل من 6 ساعات، عُقدت خلالها جلستان واحدة علنية جرى إلقاء الكلمات خلالها، وأخرى كانت مغلقة.
في الـ27 من آب 2021، أوضح مدير إدارة الخليج في وزارة الخارجية الإيرانية علي رضا عنايتي أن «البيان الختاميّ الذي تلقّته طهران (لمؤتمر بغداد)، يرتكز فقط على دعم العراق، وإعلان المشاركين دعمهم لبغداد سياسياً واقتصادياً وتجارياً، فضلاً عن تمتّعه بدعم هذه الدول بوصفه عنصراً مؤثراً في المنطقة والعالم»، نافياً عقده «لأجل إجراء حوار بين طهران والرياض في بغداد»، وبالتالي، ما كان يروج قبل انعقاد المؤتمر، أنه سيشهد لقاءات ثنائية وثلاثية ورباعية بين الدول المختلفة والمتصارعة لبحث الحلول لمشكلاتها، وبأن العراق سيلعب دور الوسيط بين تلك الدول المتخاصمة لتقريب وجهات النظر بينها لتجاوز خلافاتها، لم يحصل.
المؤتمر وجه دعوات رسمية إلى جميع دول الجوار باستثناء سورية، وقد كان واضحاً أن ضغوطاً قد مورست على العراق من أجل ثنيه عن توجيه الدعوة، وخاصة أن المؤتمر هو فكرة عراقية فرنسية مدعومة أميركياً، ترافقت مع حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الراعي الثاني للمؤتمر الذي كان من أحد شروط حضوره، عدم دعوة الرئيس بشار الأسد إلى بغداد، التي توافقت مع حجج بعض القادة العراقيين بعدم إحراج باقي المدعوين للمؤتمر.
بيان وزارة الخارجية العراقية بعد لقاء الرئيس بشار الأسد، فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي في دمشق في الـ16 من آب 2021، جاء بعد أن تضمنت «رسائل عاجلة» من بعض الوسائل الإعلامية من أن الفياض سلم دعوة رسمية للرئيس الأسد لحضور المؤتمر، ليتبين أن سورية «غير معنيّة بهذه الدعوة»، ما استدعى رداً من رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي بين في بيان له، أنه نقل رسالة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، للرئيس الأسد، «لتوضيح أن عدم توجيه دعوة الحضور للجانب السوري لا يعبر عن تجاهل العراق للحكومة السورية الشقيقة ومكانتها الراسخة، إنما هو تعبير عن الحرص على إنجاح مؤتمر نسعى من خلاله إلى توفير تفاهمات تساعد على إنتاج حلول لمشاكل المنطقة بإشتراك جميع دول جوار العراق وأن المشكلة السورية في طليعة هذه المشاكل»، معبراً عن استغرابه من «البيان المتسرع للإخوة في وزارة الخارجية»، وانجراره إلى «مسائل افتراضية لا وجود لها»، ما دفع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لاحقاً، إلى تكرار الموقف العراقي الرسمي من عدم دعوة سورية للمؤتمر في محاولة لتصحيح خطأ فهمه من زيارة الفياض إلى دمشق! ففي مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية في 24 آب المنصرم، وخلال مقابلة مع برنامج «قصارى القول» في فضائية «RT» في 26 من الشهر ذاته، وفي مؤتمرات صحفية لاحقة متعددة، أكد فؤاد حسين أن «مسألة سورية مسألة خلافية وليست معنا، لدينا علاقات جيدة ونحن لم نقطع مطلقاً علاقتنا الدبلوماسية مع سورية، وفي الواقع نحن أصحاب الشأن في طرح مسألة سورية في كل المجالات، سواء على المستويات العربية أو الدولية، وندعو إلى إعادة دور سورية في هذه المجالات، وبالتالي الأمر لا يتعلق بالموقف العراقي، لكن مسألة عودة سورية مسألة خلافية إلى حد الآن، وأعتقد أن الإخوة السوريين يتفهمون ذلك».
رئيس جمهورية العراق برهم صالح، قال في لقاء موسّع مع ممثلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي حضرت لتغطية مؤتمر بغداد: إن «استمرار الأزمة السورية ليس في مصلحة الجميع، ونؤكد أن الأمن والاستقرار في المنطقة لن يتحققا من دون حلّ الأزمة في سورية»، مشيراً إلى أن «العراق يدعو لعودة مقعد سورية إلى الجامعة العربية، وستكون سورية الغائب الحاضر في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة».
إن غياب دمشق عن المؤتمر لن يؤثّر في العلاقات الثنائية بين العراق وسورية التي لم تنقطع منذ بداية الأحداث في سورية، ولا على التنسيق المشترك بين الدولتين في الملفات الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخبارية في محاربة الإرهاب وتنظيم داعش، كما لن يؤثر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وخاصة أن العراق استمر في علاقاته مع سورية رغم قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية في الجامعة، كما أن العراق لم يتوقف عن طلب عودة سورية إلى الجامعة العربية في كل لقاءاته المشتركة مع الدول العربية على وجه الخصوص. ما يعني بالنتيجة أن غياب دمشق عن المؤتمر لن يؤثر في مسار العلاقات الثنائية مطلقاً، إلا أنه كان من الضروري دعوتها إلى هذا المؤتمر، فمن دون استقرار سورية لا استقرار في العراق ولا في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن