عادةً ماتفتح هاتفك لتتلقى رسائلَ أو تشاهد صوراً تجعلك تحزن أو تبتسم من أعماقك تحديداً عندما تداعب الصورة روح التمسك ببريق أملٍ بأنَّ القادم أجمل. هذا الأسبوع ومن دونِ مقدماتٍ انهالت علينا الصور القادمة من حلب، أسواق وخانات بكاها يوماً كلَّ محبٍّ لسورية وهم كثر في هذا العالم، مثلما بكاها كل من تعمَّدَت طفولتهُ بطُهرِ حجارتها.
الأماكن التي علَّمت العالم أعرافَ التجارة عادت لتنبضَ بالحياة من جديد، حدثٌ جعلَ القلوب ترفرفُ فرحاً كيف لا و أتساق أعمدتها كأنهُ إعادةَ اتساقٍ لمسارِ التاريخ لتُمسيَ الروح التي عادت إليها كالدم الذي ينبض في جسد المتهالك، كيف لا والبضاعة التي كانت في هذه الأسواق والخانات ليست مجردَ سلعةٍ تشتريها، ببساطةٍ هي استعارةُ العراقة من أنياب الزمن.
لكن قدرَ أحداثٍ كهذه تشعُّ بالأمل أن تترافقَ مع أحداثٍ تجعلها هامشية، ماذا لو لم يترافَق هذا الحدث مع كارثةِ التسرب النفطي على الساحل السوري التي لاتزال مثارَ جدلٍ بين مواطنٍ يجهل ماحدث، و آخر يصرُّ على محاكمةِ النتائج لا الأسباب. بذات المنطق الذي نتغنى فيهِ بالإيمان والإصرار الذي كان السبب بحدوثِ نتيجة مذهلة كعودةِ جزءٍ كبير من خاناتِ حلب و أسواقها للحياة، علينا أن نتعاطى مع الأسباب التي أدت لنتيجة هي كارثة بكل ماللكلمة من معنى.
هذا السجال الدائم بين كل مايبعث فينا الأمل وكل مايقتل فينا بصيصه أو يخافه، يبدو وكأنهُ مستمد من فرضية سيغموند فرويد بأن عقولنا وسلوكياتنا تقاوم أي نوعٍ من التغيير حتى لو كان للأفضل من مبدأ أن كل ماهو جديد مرعب.
الذي اعتاد قتلِ الأمل لايريد أن يرى أي انجاز إلا من مبدأ «وماذا يفيدني بناء الحجر؟»، بالنسبةِ له أي انجاز هو حكماً بسبب «لحسة اصبع» أو فساد سرَّعَ انجازه، هذا مرض بالمناسبة!
الخائفون من الأمل يرونهُ فقط من منظورهِم بأن اخفاء الحقيقة أفضل من قولها، والاعتراف بكلمة «كارثة بيئية» مثلاً هي «فضيحة كبيرة»، هل علينا استجواب الأسماك والكائنات البحرية على الساحل ليقتنع هؤلاء بحجم الكارثة؟
الكوارث تحدث في كل دول العالم، ليست أمراً معيباً لكنها تصبح معيبة عندما نتبرع لتجميلها، عندما نرفض من الداخل أن نتغير ونستوعب بأننا في زمن الميديا المفتوحة، ترى لو لم يكن لدينا ميديا كهذه هل كنا عرفنا بالكارثة؟! أنتم أيضاً بسوداويتكم تلك تقتلون لدينا الأمل بأن هناك من سيُحاسب عما جرى وبذلك لاتقلون سوداوية عن قاتل الأمل كلاكما يهرب منه بطريقة ما.
في الخلاصة: علينا ألا نخاف التغيير، التغيير الوحيد الذي لا تسمحوا له بأن يتسرب إليكم بعدَ الولاء للوطن وللجيش العربي السوري، هو الاصطدام بفكرة عدم رؤية كل مايبعث على الأمل أو الخوفَ منه، تصوروا حتى عبارة من قبيل «إياكم أن تقتلوا الأمل» باتت بالنسبةِ للبعض كارثة قد تجر عليهِ الانتقاد؟ اقتلوا أو مارسوا خوفكم من الأمل كيفما شئتم سنترك لكم «رائحةِ الفيول» تزكمون بها أنوفكم، أما نحن فسنطلق العنان لاستنشاقِ نكهة الغار القادمة من تلك الخانات ونحن نردد «شهبا مابتموت»، بل سورية لن تموت.