قضايا وآراء

الاحتلال الأميركي ما بين أفغانستان وسورية

| رزوق الغاوي

فوضى مُبَرمَجَة غير مسبوقة ومسبقٌ الإعداد لها تعيشها أفغانستان الآن، جراء الانقلاب الأميركي الذي تم مؤخراً على الحكومة الأفغانية، والذي جرى خلاله مَدِ السجاد الأميركي الأحمر لميليشيا طالبان لتعبر عليه بسلام وتسيطر من دون أي مقاومة على كامل أفغانستان باستثناء ولاية «بانشير» التي يتحصن فيها أحمد مسعود نجل القيادي الأفغاني أحمد شاه مسعود، ما ينذر بمواجهة عسكرية بين الجانبين، يُساهم فيها تنظيم «داعش خراسان» لحسابه الخاص بوكالة أميركية وتساهم فيها أيضاً «الميليشيا التركستانية» لحسابها الخاص أيضاً بوكالة تركية، هذا السيناريو الأميركي الجديد يهدف إلى إحلال فوضى عارمة في أفغانستان، مؤطرة بسلاح الجيش الأفغاني «المنهار طواعيةً» وسلاح الاحتلال الأميركي «المتروك قصداً» اللذين أهداهما الرئيس جو بايدن والبنتاغون لتنظيم طالبان ليعبث به بالأرجاء الأفغانية ويحولها إلى ساحة اقتتال بسلاح منفلت سيتم استغلالها أميركياً لِمَد آثارها إلى الجارة الصينية شمال شرق البلاد حيث إقليم تشينغ يانغ من جهة، وإلى الجارة الإيرانية شمال غرب البلاد حيث إقليم خراسان من جهة أخرى، وخلق حالة من التوتر الشديد في هاتين المنطقتين تؤججه واشنطن وأنقرة في آن معاً ليتمدد هذا التوتر إلى منطقة بحر قزوين والبرِّ الروسي عبر تركمانستان وبحر قزوين بواسطة الميليشيات الخاضعة لسلطنة أردوغان العثمانية.
لقد كشف المسؤول عن مبيعات السلاح الأميركي بيرس مورجان النقاب عن أن تنظيم طالبان بات يمتلك الآن أسلحة أميركية سبق لواشنطن أن باعتها للجيش الأفغاني بقيمة 85 مليار دولار تشمل مئتي طائرة وطائرة هيلكوبتر، بينها طائرات هليكوبتر بلاك هوك يفوق عددها ما تملكه 85 بالمئة من دول العالم و75 ألف مركبة وأكثر من 600 ألف سلاح صغير وخفيف وأجهزة رؤية ليلية وأجهزة بيومترية أمنية متطورة تحتوي على بصمات الأصابع ومسح الجلد ومعلومات السيرة الذاتية لأفغان تعاونوا مع واشنطن لمدة 20عاماً.
من دون أدنى شك فإن تبني واشنطن وأنقرة لتلك التنظيمات يندرج في إطار سعيهما المشترك لتصدير التهديدات الإرهابية إلى خارج أفغانستان، عبر حركة الشباب في الصومال، والقاعدة في مناطق الجزيرة العربية، والنصرة في سورية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان والحركات الطاجيكية، وتنظيم داعش الذي يعمل على إقامة فروع جديدة له في بعض بلدان الغرب الآسيوي والشرق الإفريقي، حيث تعمل الإدارة الأميركية من خلال تحريك وتنمية وتنشيط الميليشيات المسلحة في مناطق وسط وجنوب آسيا وشمال القوقاز، على خلق حالة من الفوضى فيها للعمل مع تنظيم طالبان على خلق مشاكل اقتصادية وحدودية لكل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية والهند وباكستان وإيران، من خلال استغلال الحساسيات القومية أو الدينية أو المذهبية أو المشكلات الحدودية في بعض تلك البلدان، وتنشيط تلك الحساسيات التي من شأنها خلق نزاعات فيما بينها تخدم نتائجها المصالح الأميركية والتركية وتالياً الإسرائيلية، خاصة أن تل أبيب تراقب عن كثب تلك التطورات الدراماتيكية التي من شأنها إضعاف البلدان المستهدفة أميركياً وخاصة في المنطقة العربية والإقليم ومنح السيد الأميركي وكيله الإسرائيلي مهمة حماية المصالح الأميركية في هذه البلدان، ولعل الجانب الأبرز في حيثيات السيناريو الأميركي الجديد والخاص بالانسحاب الأميركي من أفغانستان، يتمثل بالقلق الأميركي الشديد والمبالغ، المنطلق من التأثيرات الاقتصادية السلبية على المصالح الأميركية، من مشاركة أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني في إطار مبادرة «الحزام والطريق» التي تمتد من أقصى الشرق الآسيوي إلى مياه البحر الأبيض المتوسط وإلى القارتين الأوروبية والإفريقية، ولعل أبرز ما أقلق الولايات المتحدة، عملية ربط أفغانستان بالصين عبر خط السكك الحديدية بين منطقة هيمان في الشرق الصيني، ومنطقة هيراتان في أيلول 2016، وإلحاق أفغانستان بـ«طريق الحرير الرقمي» من خلال «ممر وخان» و«ممر الصين – باكستان للألياف البصرية».
وبما أن الشيء بالشيء يُذكَر، وعلى ضوء الاحتلال الأميركي لأفغانستان من جهة ولأجزاء من الأراضي السورية في شرق الفرات من جهة أخرى، لابد من إجراء عملية تقاطع بين الواقعين المتصلين بالاحتلالين الأميركي والتركي، وخاصةً لجهة الدعم العسكري واللوجستي الأميركي التركي المُبَرمَج للتنظيمات الإرهابية في كل من سورية وأفغانستان، حيث يُلحظ ثمة تشابه بين الحالتين وخاصة لجهة التوظيف الأميركي التركي لتنظيمي داعش والتركستاني في شرق وشمال وشمال غرب سورية، واستثمار هذا التوظيف في خدمة المصالح الامبريالية الأميركية والأطماع التركية العثمانية في الأرض السورية.
هنا لابد من إثارة مسألة الانسحاب الأميركي من أفغانستان ومستقبل الاحتلال الأميركي لمنطقة شرق الفرات، حيث نلحظ ثمة تشابهاً بين الحالة الأفغانية وحالتي العراق وشمال شرق سورية، كما نلحظ مدى وحدة الرؤى الأميركية التركية تجاه تلك الحالات، ما يؤكد مدى التوظيف الأميركي للجانب التركي باعتباره عضواً فعالاً في حلف شمال الأطلسي «الناتو» والمنتج الثاني لطائرات الفانتوم الأميركية، والذي يؤدي الوظيفة العسكرية الأميركية الموكلة إليه في بعض بلدان القارتين الآسيوية والأوروبية، ويؤكد أيضاً مدى التوظيف الأميركي للكيان الإسرائيلي باعتباره القاعدة العسكرية الأميركية المتقدمة بالقياس مع القواعد العسكرية الأميركية في البلدان العربية الخليجية، والمخزن الأميركي الضخم والمتقدم لمختلف صنوف الأسلحة التقليدية والنووية في المنطقة، والأساس الذي ترتكز إليه العلاقة العضوية القائمة بين الولايات المتحدة وذلك الكيان المصطنع الذي يشكل الوجه الآخر للعملة العسكرية الأميركية في المنطقة العربية وجوارها الشرق آسيوي والغرب إفريقي، وتكفي الإشارة هنا إلى حالة التمدد الداعشي الراهن في العديد من المناطق الآسيوية والإفريقية خدمة للإستراتيجية العسكرية والاقتصادية الأميركية ومجمل السياسة العامة للولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن