اقتصاد

الإدارة بمنطق غراهام ستيفنز

| د. سعـد بساطة

اضطر رئيس مجلس الإدارة في شركة مرموقة لسفر ضروري بغـية حضور اجتماع عـاجل؛ وكان قد ابتاع ((أو تلقى هدية، ، ،)) بطاقتين لأمسية ممتعـة لحضور حفلة موسيقية راقية في دار الأوبرا.

استدعى صاحبنا: السيد غراهام ستيفنز/ مدير قسم الكفاءة والجودة لديه؛ مبدياً لمسة كرم؛ ومنحه البطاقتين للاستمتاع وزوجته بروائع الموسيقا.

دهش المدير فور عـودته من رحلة العـمل عندما وجد عـلى مكتبه تقريرا من السيد ستيفنز؛ نرفق لكم نصه – بكل أمانة-!

سيدي الكريم

بعـد التحية

أشكر دعـوتكم الكريمة (الخ….).

لقد ذهبت وزوجتي – بطلب منكم – إلى حفلة كونسيرتو؛ وكانت المعـزوفة التي احتلت جل الأمسية؛ بعـنوان «السمفونية الناقصة» لمؤلفها «شوبيرت» Schubert›s unfinished symphony، ؛ عـلى الرغـم من رأيي أن عـملاً ناقصاً كهذا يجب إهماله. فقد تابعـت المعـزوفة طوال فترة الحفلة؛ وهاكم بعـض – وليس كل – الأخطاء التي أعـتبرها خللاً يمس جوهر الأداء.

1- المشكلة الأكبر تبدّت بوجود (22) عـازف كمان؛ يعـزفون ذات اللحن! ماهذا الهدر واللامبالاة! أعـتقد أنه يجب طرد (21) منهم…
2- الطبال؛ قبع في مكانه بلا عـمل لوقت طويل؛ أقترح قياس زمن أدائه؛ ومجازاته مادياً عـلى أوقات العـمل الفعـلي.
3- الكثير من المقاطع الموسيقية ظلت تتكرر بشكل مستمر؛ ولم أرَ تفسيرا لتكرار نغـمة نافخ المزمار. لو استطعـنا قص تلك المقاطع المكررة؛ لنجحنا بإنجاز السمفونية في (20) دقيقة؛ بدلاً من استهلاك ساعـتين كاملتين!
4- بالنسبة للمعـدات؛ فقد لاحظت نقصا شديدا في النمذجة فيما يتعـلـّق بالأدوات الموسيقية؛ وبخاصة للوتريات. فمنها المبالغ بصغــره؛ وفيها المفرط بضخامته؛ منها ما تثبته تحت ذقنك؛ ومنها ما تقبض عـليه بكلتا ساقيك؛ أتصور لو تم توحيد القياس لكل تلك التجهيزات ؛ لنتج عـن ذلك توفير في الوقت؛ والمصروف؛ ما يجعـل عـملية الصيانة أبسط بكثير.
5- القائد (المايسترو) وهو الشخص الأهم -كما يفترض- ؛ لم يعـزف لحنا واحداً طوال الحفلة؛ بل اكتفى بالتلويح بيده. عـلاوة عـلى ذلك؛ أبدى سوء كياسة منقطع النظير؛ لبقائه طوال الحفلة معـطياً ظهره للجمهور الراقي؛ بل إنه هددهم مرتين بعـصاه! الأمر الذي لايمكن السكوت عـنه. ولو كنت مسؤولا لفسخت عـقده إن لم يقـدّم الاعـتذار اللائق.
بالمختصر؛ أنا شبه متيـّقن أن السيد شوبيرت؛ لو قام بتجنـّب تلك الأخطاء؛ لحظي عـمله بنجاح عـظبم. بدلاً من تركنا نستمع لسمفونية «ناااقـصـــة»!

دمتم بكل احترام.

رسالة؛ لا أدري كيف أصفها… مضحكة أم مبكية؟

ولكن… ألا نرى في حياتنا الحقيقية ردود أفعال في الكثير من الإدارات؛ تشبه بمضمونها تعـليق صاحبنا عـلى رائعـة شوبيرت؛ والتي وصمها بالنقص؟
بالختام: الإدارة هي مزيج من العـلم والفن؛ وليست عـلماً جامداً؛ وقد اختصرها كثيرون بمصطلح «شعـرة معـاوية» فما تلك الشعـرة؟!.
فقد ضربت الأمثال بحسن إدارة معاوية حيث يُعتبر رمزاً للدَّهاء والحنكة؛ ففي إدارتهِ الداخلية أنشأَ عدداً من الدَّواوين المركزية: ديوان الرسائل؛ وديوان الخاتم، وديوان البريد، ونظام الكَتَبة. وكانت العرب تتحدث عن حُسن الإدارة أو الدُّبلوماسية في دولته وفق المصطلحات الحديثة؛ حيث كان يردد: (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مَدُّوها أرخَيتهَا، وإذا أرخُوها مَددتُّها).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن