قضايا وآراء

عاد الصدر.. والانتخابات في موعدها

| أحمد ضيف الله

في خطاب متلفز في الـ27 من آب الماضي، أعلن مقتدى الصدر عدوله عن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية المبكرة المقررة في الـ10 من تشرين الأول 2021، بعد تسلمه «ورقة إصلاحية من القوى السياسية دعته للمشاركة في الانتخابات»، وهي بيان صادر عن «مؤتمر الحوار الوطني» المنعقد في بغداد خلال الفترة 25-26 آب الماضي، موضحاً أن «الورقة جاءت وفقاً لتطلعاتنا وتطلعات الشعب»، مؤكداً أن «العودة للمشاركة في الانتخابات هي لإثبات أننا الكتلة الأكبر التي لم يعهد العراق مثيلاً لها لا سابقاً ولا لاحقاً»، وبالعودة قطع الصدر الطريق أمام محاولات تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر، حيث بات ذلك أمراً مستبعداً أكثر من ذي قبل. ويحسب لمؤتمر الحوار الوطني الفضل بعودة الصدر إلى المشهد الانتخابي، حيث غطت أصوات قرع طبول «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» التحضيرية على سماع وقائع هذا المؤتمر المهم ومتابعة نتائجه، بمشاركة رجال دين وشيوخ عشائر وشخصيات اجتماعية وطنية وأكاديمية وثقافية وشبابية من مختلف المناطق والمحافظات العراقية، وغياب الأحزاب والقوى التقليدية السياسية والمعارضة! التي تجاهلت أهمية محتوى الوثيقة التي صدرت عنه كأرضية مناسبة للحوار بين الجميع شعباً وحكومة وأحزاباً، واعتبارها ميثاقاً وطنياً يمهد الطريق لعودة كل القوى المتناحرة سياسياً إلى حوار وطني على طاولة واحدة، قبل الانتخابات النيابية المقبلة، وما بعدها لما هو في مصلحة العراق، وحتى المنطقة.
وثيقة مؤتمر الحوار الوطني، تضمنت 17 بنداً، من أبرزها أن «الانتخابات هي الوسيلة الأساسية للتعبير الديمقراطي»، وأهمية «احترام النص الدستوري ومنع التجاوز عليه»، وأنه «من الضـروري إجراء إصلاح دستوري.. تتعهد الكتل السياسية التي تشكل مجلس النواب القادم بتعديل الدستور العراقي.. تبدأ عملها خلال مدة أقصاها ستة أشهر من انعقاد أول جلسة لمجلس النواب الجديد»، وأن تلتزم الحكومة ومجلس النواب القادمان «بالسقوف الزمنية لإنهاء الوجود القتالي العسكري الأميركي في العراق»، و«بإنهاء ظاهرة حيازة السلاح سواءً كان سلاحاً تابعاً للعشائر أم المجموعات المسلحة والفصائل أو الكتل السياسية»، إضافة إلى «منع وتجريم الخطاب الطائفي والعنصري بقوانين واضحة، واحترام التنوع الديني والقومي والمذهبي في العراق».
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وعد في تغريدة له «باستلهام مضامين هذه ‏الورقة وتقديمها إلى القوى السياسية، لتُصبحَ تعهداً وميثاقاً وطنياً يوفّر أجواء الثقة ‏لخوض الانتخابات»‏‎.
إن عودة التيار الصدري إلى المشاركة بعد مقاطعة 43 يوماً لا تقف أمامها أي عقبات قانونية بالنظر إلى إيفائه بمتطلبات الترشيح التي تقتضيها لوائح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، خاصة أن مفوضية الانتخابات كانت قد أغلقت باب الانسحاب في الـ20 من حزيران الماضي، قبل إعلان الصدر انسحابه.
القوى السياسية التي أعلنت انسحابها من السباق الانتخابي عُقب انسحاب مقتدى الصدر، مراهنة على أن انسحابه نهائياً، كالحزب الشيوعي العراقي والمنبر العراقي الذي يرأسه إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، خسرت حضورها النيابي والسياسي مبكراً، لأنه لم يعد هيناً العودة عن قرار الانسحاب، لكون ذلك سينظر إليه على أنه تابع لتأثيرات قرار الصدر وتياره، وكنت قد بينت في مقالة لي في صحيفة «الوطن» بتاريخ 10 آب الماضي، أن إعلان الصدر في الـ15 من تموز 2021 أنه لن يشارك في هذه الانتخابات هو «مناورة سياسية لإرباك خصومه الراغبين في إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، ومؤقت لإعادة ترتيب أوراقه من جديد».
إن عودة الصدر إلى السباق الانتخابي، جعلت المنافسة وحرب التصريحات الانتخابية تشتد بين الخصوم، فإعلان بعض الكتل السياسية المبكر بالحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء هو طموح مشروع، وهو قراءة لمساحاتها الانتخابية وفق ما تتوقع الحصول عليه من مقاعد.
العراق والعملية السياسية أمام مفترق طرق، حيث ستفرض نتائج الانتخابات النيابية المقبلة معادلات صعبة ومصيرية ومؤثرة داخل العراق وخارجه، لما يمر به العراق الآن من مخاطر جمة سياسية واقتصادية واجتماعية يعمل الاحتلال الأميركي وأعوانه في العراق والمنطقة على تعميقها لتفجيرها متى شاؤوا.
العملية السياسية في العراق لن تستقيم وتتطور ما لم تنتج مخرجات الانتخابية النيابية المقبلة أغلبية نيابية ترشح رئيساً لمجلس الوزراء، لتشكيل حكومة تتحمل كل المسؤوليات التنفيذية من دون تنصل منها، وتكتلات نيابية معارضة، تقوم بمراقبة الحكومة ومحاسبة أدائها بعيداً عن الاستهداف الشخصي أو الحزبي، وهو تصور كان رئيس الوزراء الأسبق ورئيس كتلة «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي قد أراد العمل به بعد انتخابات عام 2014، وهو ما رفضته باقي القوى والتكتلات النيابية والسياسية، وعدّته خروجاً عن التوافق المعمول به في العملية السياسية، متسببة في تجذير التخندقات الطائفية، الشيعية والسنيّة والكردية، وتعميق الفشل والفساد واللامسؤولية في عملية سياسية هي بالأساس كانت قد ولدت عرجاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن