من دفتر الوطن

أحلام وكوابيس!

| عصام داري

في هذا الطوفان من الكذب والرياء والعفن الذي انتشر في مجتمع ينخره الفساد علينا الهروب واللجوء إلى الحلم، فالحلم -كما في المعتقدات القديمة- يمثل آلهة الخير، بعكس الكابوس الذي يعمل عمل آلهة الشر.
لذا.. نختار أحلام يقظتنا بكل عناية، نزينها ونجملها، وننثر عليها الورود والأزاهير، ونرشها بالعطر والطيب كي نشم رائحة السعادة، ونتذوق طعم الفرح الهارب منا منذ سنوات لا أستطيع عدها!.
نريد أن نعيش في أحلامنا هرباً من واقع فُرض علينا، لكننا مضطرون للعودة والمعاناة والعذابات ومحاولة ترجمة بعض الأحلام إلى حقائق وواقع معاش، ترى: كم مرة نجحنا في تحقيق حلم جميل نتوق إلى ترجمته إلى حقيقة؟ أو أن نصنع حلماً في يقظتنا أو بعض حلم؟
لا تفقدوا الأمل.. فالأحلام قد تصبح حقيقة.. إذا كان هناك من يمتلك إرادة الانتصار على آلهة الشر، أو لديه الجرأة التي تمكنه من أن يقول لا، ولو مرة في حياته الرتيبة المحكومة بكلمة: نعم!.
الحياة قاعة امتحان متواصلة من أول صرخة يطلقها طفل غادر سجن رحم أمه، إلى سجن الدنيا الواسع، إلى الشهقة الأخيرة التي تعلن نهاية الرحلة المحتومة، ومن ينجح فهو ذاك الشخص الذي استطاع أن يجمع حلاوة عشق يصنعه بنفسه إن لم تخلقه الظروف، مع فرح ينتزعه من براثن ألم يعتصر الروح والنفس.
نحن بحاجة إلى حلم يسرقنا من دوامة واقع جثم على صدورنا ككابوس قاتل، يغرس مخالبه وأنيابه في أعناقنا فإذا كنا قادرين على صنع الفرح حتى من العدم فلماذا نستدعي الأحزان ونجتر الوجع؟ وإذا كان بمقدورنا أن نشعل الشموع فلماذا نفضل العيش في العتم والترويج للظلمة وتكريسها أسلوب حياة؟
أحلامنا نوع من المسكنات التي تهدئ النفس وتفرمل اندفاعاتنا نحو هاوية اليأس، تنقلنا من عالم فولاذي الملامح، عصبي القرارات، مزاجه على مقاس الموت والحروب والدمار، إلى عالم من حرير وأزاهير وعطور وعصافير.
في هذا العالم نصنع حبيبة، نتخيل صبية معجونة بالرحيق والحليب والشهد، مسروقة من حكايا الجدات والساحرات والجنيات وعلاء الدين ومصباحه السحري، ننشد القصائد تحت شبّاكها المختبئ خلف سور من الياسمين والورد الجوري الأحمر القاني.
وصفتي للمتعبين والتائهين، واللاهثين وراء سراب مبين، أن احلموا فبالحلم تقضون على نصف وقتكم ومشاكلكم وتعيشون روعة الإحساس بالسحر والجمال المفقود، أو ربما النادر، في عالمكم الواقعي الذي يغتالكم في كل يوم وثانية.
إنها وصفة مجربة وستعطيكم الشعور بالمتعة والاسترخاء، وتخفف عنكم عناء الأيام وغدر الزمان، وغياب العدالة وتحطم الميزان.
كونوا في معسكر آلهة الخير والحب والفرح، واخرجوا بأمان من كوابيس آلهة الشر والبغضاء والكراهية، وتكرار الحلم قد يقلبه حقيقة، لكن تكرار الكابوس يغرقنا في بحار الألم واليأس والموت البطيء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن