ثقافة وفن

ثيودوراكيس الموسيقي الذي لحّن (زوربا) اليونانية والنشيد الوطني الفلسطيني

| سوسن صيداوي

الموسيقا لا تعرف وطناً ولا هوية ولا حدوداً، الموسيقا ثقافة إنسانية توحّدنا بما تفرضه بحضورها الراقي بإقحام مشاعر وأفكار نحسّها جميعاً. ومن يؤلف الموسيقا هو الخبير بهذه النعم القدسيّة للنوتات الموسيقية بمفاتيحها وعلاماتها، فيصوغ أعماله حقاً وفق أهوائه الخاصة، ولكنه يدرك جيداً العمق الذي ستسبره فينا. من المؤلفين الموسيقيين الذين استطاعوا أن يتركوا فينا حالة يصعب أن تتكرر، المؤلف الموسيقي اليوناني ميكيس ثيودوراكيس الذي غادرنا بعد أن ترك أرشيفاً ضخماً من الموسيقا اليونانية والتي لم تعرف فرقاً بين وطن وآخر أو بين إنسان وآخر.

من وطنيته لأوطان العالم

تعليقاً على خبر وفاة المؤلف الموسيقي ميكيس ثيودوراكيس الذي اشتهر حول العالم بموسيقا فيلم «زوربا اليوناني»، صرحت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني، أن ثيودوراكيس الذي رحل عنّا كان «معلّماً ومثقّفاً وراديكالياً». وأضافت: «أطلقت موسيقاه رؤيته الخاصة للعالم: رؤية تقدمية وديمقراطية للشيوعية»، كما ساهمت في ترسيخ صورة البلد المشمس السعيد في عيون ملايين السائحين.

هذا ونعاه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وكتب على «تويتر»: «تنعى اليونان خسارة ميكيس ثيودوراكيس. ملحن مبدع. مناضل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. نشعر بحزن عميق لوفاته، ولا نشعر بالارتياح إلا لمعرفة أن إرثه سوف يستمر، ما يثري الحياة في جميع أنحاء العالم، للأجيال القادمة».

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الراحل عُرف بأنه ناشط سياسي شديد الوضوح، إذ عبّر بمنتهى الصراحة عن رأيه ضد الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، وأدان رئيس الوزراء اليوناني، جورج باباندريو، لإقامته علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إنه مذنب بارتكاب «جرائم حرب في لبنان وغزة». هذا وكان ثيودوراكيس عدواً شرساً للصهيونية العالمية، التي طال تأثيرها اليونان أيضاً، وكان يصف نفسه بأنه «معادٍ لإسرائيل» معتبراً أنها «أصل الشر» وفقاً لتعبيره. لكن ثيودوراكيس عاد واعتذر لاحقاً عن هذه التعليقات، وقال إنه «يحب الشعب اليهودي» إلا أنه يعارض سياسات الحكومة الإسرائيلية وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأدان حركة «الفجر الذهبي لإنكار الهولوكوست» عام 2013.

ومن جانبه كتب المترجم والكاتب اللبناني فواز طرابلسي معزياً في وفاته: «باقة ورد حمراء ودمعة في وداعك، ميكيس ثيودوراكيس، اليوناني المقاوم، الماركسي المتمرّد على أحزابك».

وأضاف: «لن ننسى أنك زرتنا في بيروت المحاصرة من العدو الإسرائيلي وعزفتَ لنا نشيداً يونانياً لفلسطين، باقياً في فنّك العظيم نشيدًا للفرح وحب الحياة وللنضال من أجل الحرية والمساواة».

في السيرة الذاتية

• ولد ميكيس ثيودوراكيس في جزيرة «خيوس»، 29 يوليو عام 1925، ودرس الموسيقا في أثينا وبعد ذلك في باريس. قام بأداء أغانيه أشهر الفرق والمغنين، ومن بينهم فريق «البيتلز»، ولشيرلي باسي، وإديث بياف.

• لحن موسيقا فيلم (زوربا اليوناني) عام 1964، الذي قام ببطولته الممثل الأمريكي الشهير أنتوني كوين، والحائز على ثلاث جوائز أوسكار، وحتى بعد أكثر من نصف قرن تعتبر مقطوعة (زوربا) من أشهر القطع الموسيقية اليونانية، وبقي المشهد الذي يرقص فيه (أليكسيس زوربا) الفلاح الذي تعرف إلى الكاتب الإنكليزي في جزيرة (كريت) على الشاطئ، صورة حاضرة وشائعة للثقافة اليونانية.

• شارك ثيودوراكيس في مقاومة الاحتلال النازي لليونان في الحرب العالمية الثانية وأصبح لاحقاً نائباً في البرلمان.

• كان شخصية قيادية معارضة للحكم العسكري في اليونان بين عامي 1967 و 1974.

• لم يمنعه التقدم في العمر من إعلان موقفه الرافض لتدابير التقشف التي فرضتها الجهات المانحة على البلد، خلال الأزمة المالية التي ضربت البلاد منذ عام 2010.

• يعتبر واحداً من أهم من شاركوا في النشيد الوطني الفلسطيني، حيث أعاد توزيعه بشكل جديد.

• يعد من أكبر الموسيقيين في القرن العشرين، إذ له العديد من المقطوعات الموسيقية المتميزة، حيث تناولت أعماله الموسيقية الكثير من الأناشيد والأغاني الحماسية التي تستند إلى الأعمال الشعرية اليونانية الرئيسة، والتي ظل الكثير منها ضمن أدبيات اليسار اليوناني لعقود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن