ثقافة وفن

«سورية الطريق الصعب من الحرب إلى السلم».. الدرب إلى السلم في سورية صعب.. لكنه ليس مستحيلاً

| سارة سلامة

كتاب (سورية الطريق الصعب من الحرب إلى السلم)، صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن «المشروع الوطني للترجمة» تأليف: ماريا خودينسكايا – غولينيشيفا، ترجمة: عيّاد عيد، يقع في 944 صفحة من القطع الكبير.

وتنطلق الدبلوماسية الروسية من المقولة التالية «الأزمة السورية هي النزاع الواسم لعصرنا»، لتبني عليها كتابها الثالث على التوالي عن الأزمة السورية بعد كتابيها (الجانب الصحيح من التاريخ – الأزمة السورية) «2015»، و(حلب: الحرب والدبلوماسية) «2017».

مرجع شامل

يواكب هذا الكتاب المشكلة السورية منذ نشأتها، مسجلاً مراحل تطورها خطوة فخطوة، ليتحول بذلك إلى مرجع شامل يحيط بجوانبها كلها. لا تنظر الكاتبة إلى المسألة السورية من زاوية محلية خالصة، بل بصفتها نقطة اشتباك بين مصالح الدول المنخرطة فيها، وبصفتها مرآة تعكس من جانب رفض عدد من الدول نظام القطبية الأحادية الذي ساد بعد انتهاء الحرب الباردة، وتعكس من جانب آخر تنامي دور الدول الإقليمية في حل الأزمات الناشئة وازدياد قدراتها على الدفاع عن مصالحها بقوة، ثم تحاول في ضوء ذلك استعراض الدور الروسي في حل عقدة التناقضات المتكونة عن ذلك.

تطور الأزمة السورية

تكشف الدراسة على تحليل مفصل لخلفية وتطور الأزمة السورية. يتم النظر في عمل مختلف الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة على تسويتها. وهنا تخص بالذكر قرارات مجلس الأمن الدولي ونشاط مجموعة الدعم الدولية لسورية بالرئاسة الروسية الأميركية. تتم على حدة مناقشة العمل على المسار الثنائي. وهذا يخص بالدرجة الأولى الصيغة الروسية الأميركية التي لم تؤد فقط إلى نزع السلاح الكيميائي من سورية في عام 2013 في ظل الرقابة الدولية، بل إلى اتفاق على إدخال نظام وقف الأعمال العدائية أيضاً في سورية في عام 2016.

وتؤكد ماريا خودينسكايا-غولينيشيفا أنه «للأسف لم يتم تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار هذه بشكل كامل بسبب عدم كفاية درجة النفوذ الأميركي على الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في سورية».

قضية شرق حلب

«تطورت الأحداث شرق حلب بشكل دراماتيكي (حيث تم احتلال الجزء الشرقي من المدينة من مقاتلين من الجماعات المناهضة للحكومة) وتواصل الكاتبة بأن المفاوضات الصعبة بين الوفود الروسية والأميركية حول سبل تسوية الوضع في شرق حلب استمرت في جنيف طوال عام 2016. تم التوصل في أيلول 2016 بصعوبة إلى اتفاق لحل القضية من خلال انسحاب متماثل من طريق كاستيلو الدائر للقوات المسلحة السورية ووحداتها من ناحية والمسلحين من ناحية أخرى. ضمنت روسيا ثلاث مرات تنفيذ القوات الحكومية للاتفاقيات. لكن لم يتمكن الأميركيون من إقناع القادة الميدانيين بسحب القوات الخاضعة لسيطرتهم من الطريق».

وتبين ماريا خودينسكايا-غولينيشّيفا أن هذا الفشل دفع الجانب الروسي إلى فهم الحقيقة الأهم والتي أثرت على كامل نشاط موسكو الدبلوماسي اللاحق وأصبحت نوعاً ما كنقطة تحول «فكرية» في الأحداث السورية والتي تحولت بعد ذلك إلى نقطة تحول «على الأرض».

وأكدت ماريا خودينسكايا-غولينيشّيفا: «لقد أدركت العاصمة الروسية أنه على الرغم من حقيقة تمتع واشنطن بثقل جيوسياسي مهم، إلا أن الولايات المتحدة ليس لديها نفوذ كاف على الجماعات المسلحة»، ولهذا فقد قررت موسكو في نهاية عام 2016 الاعتماد على دول المنطقة – عندما يتعلق الأمر بحل قضايا محددة «على الأرض» بما في ذلك التفاعل مع القوى المتعارضة الحاملة للأسلحة. حسب ماريا خودينسكايا-غولينيشّيفا، «سرعان ما أثبت هذا القرار نجاعته: بالفعل في 2016 – كانون الثاني 2017، في اتصالات مع تركيا، تم الاتفاق على إجلاء مسلحين متشددين من شرق حلب إلى إدلب برفقة الشرطة العسكرية الروسية. نالت هذه الاتفاقات دعماً من قبل الأمم المتحدة، سارت الأمور على ما يرام، ولم يؤمن عناصر الشرطة العسكرية الروسية والذين معظمهم من المسلمين، سلامة القافلة فحسب، بل وصلوا إلى جانب السوريين أثناء التوقف».

وأغلقت قضية شرق حلب في فترة قصيرة للغاية.

مثلث أستانا

بينما نما التفاعل الروسي التركي إلى ما يسمى بمثلث أستانا الذي يضم كلاً من روسيا، تركيا، إيران. ومرة أخرى، أثبتت مراهنة روسيا الدبلوماسية على دول المنطقة نجاعتها بالكامل: تم التوصل عن طريق صيغة أستانا عام 2017 إلى أهم الاتفاقيات بشأن وقف إطلاق النار على مستوى البلاد (والتي، على عكس الاتفاقات الروسية الأميركية المماثلة، نجحت وأثمرت)، بالإضافة إلى إنشاء أربع مناطق خفض تصعيد، كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة: الغوطة الشرقية، حماة / حمص، الجنوب – أجزاء من محافظات السويداء، درعا، القنيطرة). وقد أتاح ذلك تقليص الأعمال العدائية وتكثيف العملية السياسية لحل الأزمة.

خبرة قلّ نظيرها

وتبين ماريا خودينسكايا-غولينيشّيفا، أن ما تم التطرق له في الكتاب يكشف لأول مرة بدقة ويعرض لتفاصيل غير معروفة بالنسبة لكثيرين ومرتبطة بعمل المفاوضين العسكريين الروس مع القادة الميدانيين في مناطق خفض التصعيد، وكذلك في عدد من المناطق الأخرى (قلمون الشرقية مثالاً)، وهو عمل نتج عنه انتقال 3 من أصل 4 مناطق (عدا إدلب) إلى سيطرة الحكومة السورية. وتضيف المؤلفة «وها نحن نرى مجدداً إخراج قادة ميدانيين إلى إدلب بمرافقة الشرطة العسكرية التي أثبتت جدارتها بالفعل. هذه الجهود جرت بتعاون وثيق مع بلدان عربية خليجية لديها تأثير على التنظيمات المسلحة غير الشرعية». إغلاق مناطق خفض التصعيد على التوازي مع توجيه ضربات ضد داعش (وفق التنسيق غير المعلن بين روسيا والولايات المتحدة على ضفتي الفرات) أفضى إلى وضع مغاير تماماً عما كان في السابق. وتنهي الكاتبة سردها قائلة «لقد تم تفادي انهيار سورية كدولة، فيما روسيا والدول الأخرى المنخرطة في حلحلة الأزمة حصلت على خبرة قلّ نظيرها في مجال التعاون الدبلوماسي».

ويذكر أن ماريا هي دبلوماسية ودكتورة العلوم التاريخية والأستاذة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية.

شاركت ماريا خودينسكايا-غولينيشّيفا في العديد من الأحداث المتعلقة بالجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة في سورية. وشاركت كذلك في العمليات القتالية في الجمهورية العربية السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن