من دفتر الوطن

الحرب العالمية الرابعة

| حسن م. يوسف

مرت أمس الذكرى العشرون لهجمات الحادي عشر من أيلول، المشؤومة، التي تم خلالها استهداف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بطائرتين مدنيتين، كما استهدف مقر وزارة الدفاع في واشنطن العاصمة بطائرة ثالثة. أدت تلك الهجمات لمقتل أكثر من ثلاثة آلاف أميركي، غير أن الإدارة الأميركية استخدمت تلك الهجمات كحجة لإطلاق سلسلة من الحروب أطلق عليها بعض الباحثين اسم: «الحرب العالمية الرابعة» نظراً لاعتبارهم أن الحرب الباردة كانت هي الحرب العالمية الثالثة.
يرى عدد من المحققين البارزين أن المخابرات المركزية الأميركية كان لها دور في افتعال تلك الهجمات، وسواء أكان هذا صحيحاً أم لا فإن هجمات أيلول منحت المحافظين الجدد في أميركا فرصة ذهبية لتفعيل منهجهم الفكري الذي أطلق عليه وصف «القرن الأميركي الجديد»، والذي يقوم على «ضرورة أن تكون الولايات المتحدة سباقة في توجيه الضربات إلى أعدائها»، وتغيير الأنظمة المعادية لها.
في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاماً، ألقى الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن خطاباً قال فيه: «إن هذه الحرب ضد الإرهاب ستأخذ وقتاً، وستتسم بالعزيمة، لا يُخطئنَّ أحد. لسوف ننتصر».
وعندما عجزت أميركا عن اختراق الأمم المتحدة والحصول على تفويض لها بشن عدوان على أفغانستان والعراق، شكلت (تحالفاً) من الطامعين والخائفين، كبديل من الشرعية الدولية، وتمكنت من إسقاط حكم طالبان وقضت على صدام ونظامه بذريعة كاذبة هي أسلحة الدمار الشامل.
لكن (نصر) أميركا في أفغانستان أخذ شكل حرب عالمية امتدت عشرين عاماً، شارك فيها 800 ألف عسكري أميركي، قتل منهم نحو 3 آلاف، وأصيب أكثر من 20 ألفاً. لكن هذه الحرب العالمية تعدت أفغانستان إلى العالم برمته، فقد كشفت منظمة Airwars التي هي شركة غير ربحية مقرها لندن، تتعقب وتؤرشف الحروب الجوية، وتأسست عام 2014 على يد الصحفي الاستقصائي كريس ودوز، في تقرير لها نشر مؤخراً، أن: «أميركا نفذت ما لا يقل عن 91340 غارة جوية عبر سبع مناطق صراع رئيسية». وقد أدت تلك الضربات الجوية لمقتل «حوالي 48000 مدني في السنوات العشرين الماضية».
قبل أقل من شهر من حلول الذكرى الـعشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية، انسحب الأميركيون من أفغانستان وتركوا تلك البلاد في وضع أسوأ من وضعها قبل عشرين عاماً، وقد سبق أن قلت على صفحتي غداة انسحابهم إنهم يسلمون البلاد لمنظمة طالبان كي يستخدموها ضد الصين ومشروع الحزام والطريق، كما سبق واستخدموها ضد المرحوم الاتحاد السوفييتي.
لكن ثمة أمور خطيرة مرت بالتقسيط المريح خلال الأشهر الماضية، ولم تقف الدول العربية المعنية عندها رغم أنه من شأنها أن تكون لها انعكاساتها على دول منطقتنا، فقد قامت أميركا منذ مدة بتفعيل قانون «جاستا» الذي يتيح لأهالي ضحايا هجمات أيلول بملاحقة ومقاضاة الدول التي ينتمي إليها المهاجمون، وفي ظل انسحاب أميركا من أفغانستان قام الرئيس الأميركي في الثالث من الشهر الحالي برفع «السرية» عن وثائق هجمات الحادي عشر من أيلول. وهذا يعني أننا سنشهد قريباً فصلاً جديداً من الابتزاز الأميركي سيجعلنا نترحم على البلطجي ترامب. لأن ثروات المنطقة ستنهب هذه المرة باسم القانون وحقوق الإنسان! فمن المعروف أن خمسة عشر شخصاً من بين الخاطفين التسعة عشر الذين نفذوا الهجمات، كانوا يحملون الجنسية السعودية. وقد سبق لمجلة «نيوزويك» أن قالت: «إن أفغانستان ليست أصل الإرهاب، وبعد تدمير قوة بن لادن ينبغي مواجهة الإرهاب في قاعدته الأساسية في أرض العرب».
فهل نحن على أبواب الفصول الأخيرة من الحرب العالمية الرابعة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن