ثقافة وفن

مجمع اللغة العربية.. يحيي ذكرى ممدوح خسارة … بين المصطلحات والتعريب أخلص جهوده اللغوية العلمية

| سارة سلامة

أقام مجمع اللغة العربية في دمشق، حفل تأبين لعضو المجمع الباحث الدكتور ممدوح خسارة، الذي رحل عن عالمنا في السادس والعشرين من كانون الثاني 2021، بعد سنوات طوال أمضاها في خدمة اللغة العربية وشؤونها.

وبعد مشوار طويل كرسه في تعليم اللغة العربية وعلومها وتأليف وتحقيق المعاجم، الموت يغيّب عضو «مجمع اللغة العربية» ممدوح خسارة (1941 – 2021)، هو رجل وهب حياته في تعليم اللغة العربية ووضعها في موقع الصدارة دائماً، اختير منذ أمد قريب خبيراً في مجمع اللغة العربية لرفد لجنة اللغة وأصول النحو بخبرته اللغوية وهو حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة دمشق 1993، وله مؤلفات عدة منها: «منهجية تعريب الألفاظ» و«علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية» و«التعريب والتنمية اللغوية» و«التعريب مؤسساته ووسائله» و«معجم فصاح العامية من لسان العرب» وغيرها.

عن التأبين

حضر الحفل الدكتور مروان المحاسني، رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، والدكتور محمود السيد المدير العام لهيئة الموسوعة العربية، والدكتور ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، والدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتّاب العرب، ولفيف من أعضاء مجمع اللغة العربية في دمشق، وعدد من ذوي الراحل وأصدقائه وطلابه، حيث ألقيت في الحفل كلمات تناول فيها المتحدثون ذكر مآثر الفقيد، والدور المهم الذي لعبه في تعليم اللغة العربية، والعمل على وضعها موضع الصدارة دائماً.

إنتاج علمي واسع

بدأ الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، أعقبها تحدث الدكتور مروان المحاسني، رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، عن الفراغ الكبير الذي تركه رحيل باحث مهم كالدكتور ممدوح خسارة، ومساهمته الكبيرة في جهود مجمع اللغة العربية.

واستعرض المحاسني، السيرة الذاتية، والنتاجات العلمية الواسعة للدكتور خسارة، الذي تطرق فيها للتعريب بشكل خاص، ومنها كتابه في منهجية تعريب الألفاظ، وكتابه في التعريب والتنمية اللغوية، مع ذكره آخر نتاجات الراحل «معجم العبارات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة ثلاثي اللغات.. عربي – إنجليزي – فرنسي» الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي شارك الدكتور ممدوح خسارة في تأليفه بالتعاون مع عضوي المجمع الدكتورة لُبانة مشوّح، والدكتور مروان المحاسني. مبيناً: «هو مشروع يتناول ما لا يزيد على نحو ألف كلمة يجب الوصول إلى تحديد مقابلات عربية لها كالصالون والمول والموكيت إذ إن بقاءها على عجمتها هو ازدراء للغة العربية وحط من مكانتها وقيمتها وكأنها لا تصلح للحياة المعاصرة، وهو تزهيد أبناء اللغة من إمكان إعادة جعلها لغة كونية.

رحم اللـه فقيدنا الذي اختطفته يد المنون قبل إتمام رسالته في النهوض باللغة العربية حتى تصل إلى استيعاب جميع مسارات الحداثة.

وهذا ما فتح له باب التدريس الجامعي في المملكة العربية السعودية وفي الكويت وأطلق يده في مجال واسع من الندوات.

وقد أضاف إلى ذلك إنتاجاً علمياً واسعاً تطرق فيه إلى التعريب بشكل خاص.

فله كتاب في منهجية تعريب الألفاظ وكتاب في التعريب وفي التنمية اللغوية وكتاب في قضايا لغوية معاصرة وبحوث منشورة في المجلات المحكمة منها (إشكالية الدقة في المصطلح العلمي)،

وقد انضم منذ انتخابه عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق عام 2008، إلى لجنة اللغة العربية وعلومها، فأصبح مقررا لتلك اللجنة، كما انضم إلى لجنة ألفاظ الحضارة التي تتولى توفير المقابلات العربية لما يغزو اللغة الدارجة محتفظاً بعجمته».

مواكبة اللغة الرقمية

كما رثى رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور محمد الحوراني، الراحل بكلمات عبر من خلالها عن الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها لغة الضاد ومحبوها بفقد عالم جليل كالدكتور ممدوح خسارة، قائلاً: «ما أحوجنا في هذا الوقت إلى الحفاظ على الإرث اللغوي والحضاري والمعرفي الذي تركه أستاذنا الراحل، ولاسيما أننا نعاني استمرارية الغزو الثقافي والفكري، كيف لا وقد كان لهذه القامة الفاعلة والمتنورة أثرها المهم في رده وردعه والتصدي له بكل قوة، لن يكون الفقد باباً لنسيانك أيها الأستاذ الألمعي، وأنت الذي قضيت العمر كله في خدمة اللغة العربية، رافضاً اختراقها، حريصاً على عدم تشويهها، محاولاً السير بها لمواكبة اللغة العصرية الرقمية من دون أن تفقد هويتها وعراقتها».

وألقى القاضي أحمد فرواتي كلمة أصدقاء الراحل، الذي تحدث فيها عن مناقب الدكتور خسارة كصديق، والدور البارز الذي كان يلعبه في حياة أصدقائه كإنسان مثقف، وباحث كبير، عكس الثقافة في أخلاقه وتعاملاته وصداقاته.

مضت المصطلحات وحيدة

على حين قرأ الشاعر خضر مجر كلمة طلاب الراحل، حيث ألقى بعضاً من أبيات الرثاء، وعرض للشق الخاص بالدكتور خسارة كأستاذ جامعي ألهم عديداً من طلابه عشق العربية، ومتابعة البحث والدراسة فيها تمكيناً لها، وحرصاً على عدم تشويهها قائلاً:

«يا فارساً في ساحة الهيجاء.. راياته موصولة بسماء…من وهج سيفك ألف نعمى ترتجى…وعلى يديك نهاية الظلماء… أسبلت يد الدهر جفنيك, ومضت المصطلحات وحيدة تبحث عن رفيقها الأبدي، حزينة هي لغتنا العربية، تحاول التملص من قبضة الفقدان التي أطبقت عليها، تبحث عن صوتك في كلية الآداب عن وقع خطواتك في مجمع اللغة العربية، وتعود مكسورة الفؤاد، لم يبق لها سوى الذكريات وطيفك الذي يحوم حولها، كيف لا وقد عشقتها وزدت عنها في كل الميادين، لقد كنت العاشق الوفي لها أبداً، وقد تركت لنا ما يغني مكتبتنا العربية في علوم وضع المصطلحات والتعريب من خلال أعمالك المطبوعة وأبحاثك الغنية.

يا فارساً كالشمس من أضوائها باتت تضيء معالم الأشياء

لا يمكن لنا كطلبة تتلمذوا على يديك أن ننسى فضلك علينا ما حيينا وقد كنت دائماً لنا المعين والسند في رحلة بحثنا المعرفية لا تضنن بالجواب على أحد وتغدق علينا من فيض معرفتك وحكمتك ما يسهل الطريق في البحث والتطور، تشجعنا حين نصيب وتطري على عملنا وتصوب لنا بلطف وأبوة حين نقع في خطأ. كما لا يمكن لي شخصياً أن أنسى شدة إعجابي بحضورك وتواضعك وتعاطيك معنا كأب حريص كل الحرص على مصلحة أبنائه مطرزاً لقاءاتنا بك بضحكة نابعة من قلب محب».

وألقت أريج ممدوح خسارة، كلمة ذوي الراحل، التي استعرضت فيها ذكريات جمعتها بوالدها، والأثر البارز الذي تركه في حياة أبنائه كأب شغوف باللغة العربية، حرص دائماً على تقويم لسانهم من كل اعوجاج قد يمس بلغة الضاد، حفظاً لها، وتأكيداً على أصالتها وحضورها.

وختاماً أهدت وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة السورية للكتاب، 100 نسخة من كتاب «مباحث في التجديد اللغوي» للدكتور ممدوح خسارة على الحضور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن