قضايا وآراء

عمي ماكرون نجار!

| أحمد ضيف الله

رعى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الـ5 من أيلول الماضي، مراسم توقيع أربعة عقود مشاريع استثمارية مع شركة «توتال» الفرنسية، ثلاثة منها وقعها وزير النفط إحسان عبد الجبار إسماعيل، مع المدير التنفيذي لشركة «توتال إينيرجيز» الفرنسية باتريك بويانيه، الأول لتطوير حقل أرطاوي النفطي، والثاني لإنشاء مجمع غازي لاستثمار ومعالجة الغاز المرافق للنفط في الحقل، والثالث لإنشاء محطة لمعالجة مياه شط العرب بطاقة تصميمية قدرها 7.5 ملايين برميل ماء يومياً، أما العقد الرابع فقد كان بين وزارة الكهرباء العراقية وشركة «توتال إينيرجيز» لإنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية.
إجمالي قيمة العقود الأربعة الموقعة مع شركة «توتال إينيرجيز» الفرنسية يبلغ 27 مليار دولار، ويصل العائد الإجمالي لأرباحها خلال مدة العقد إلى 95 مليار دولار، باحتساب سعر البرميل 50 دولاراً! وفق بيان الحكومة العراقية، وهو أكبر استثمار لشركة أجنبية في العراق، ومن أضخم العقود المبرمة في قطاع النفط، فضلاً عن الاستثمار غير المسبوق والطموح لشركة «توتال» الفرنسية في مجال الطاقة المتجددة بالعراق، حيث تعدّ الشركة التي أعادت تسمية نفسها بـ«توتال إينيرجيز» لتوسع وتنوع استثماراتها في مجالات مصادر الطاقة النظيفة، واحدة من أكبر خمس شركات طاقة في العالم. وبهذه العقود تعود شركة توتال الفرنسية بقوة إلى العراق، في الوقت الذي غادرته معظم الشركات الأميركية والبريطانية لأسباب مرتبطة بالأمن وبالشروط والتسهيلات التي توفرها الحكومة العراقية لهذه الشركات.
ما تم التوقيع عليه مع الشركة الفرنسية، يُعد أسرع مكافأة ينالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من حكومة مصطفى الكاظمي على رعايته وحضوره «مؤتمر بغداد للتعاون والشركة» الذي عقد في الـ28 من آب الماضي.
ماكرون الذي بدا وكأنه المندوب السامي الفرنسي في العراق، أطلق جملة من التصريحات لدى وجوده في العراق، ففي المؤتمر الصحفي على هامش مؤتمر بغداد، قال: إن فرنسا ستُبقي قواتها في العراق، «في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك، وسواء قرّرت الولايات المتحدة سحب قواتها، أم لا»، معلناً من خلال زيارته ذات الدلالات السياسية لإقليم كردستان بأنها «رسالة مفادها أن فرنسا لن تتخلى عن أصدقائها»، منتقداً بعد تفقده كنيسة «الساعة» المدمرة، وموقع إعادة إعمار مسجد النوري في مدينة الموصل، بالقول: إن «عملية إعادة الإعمار بطيئة جداً»!
مشاريع المستعمر الفرنسي في المنطقة العربية التي كان قد جربها منذ قرون باسم الحكم الذاتي، المبنية أساساً على خلق محميات ومناطق نفوذ لكيانات طائفية وعرقية، وعلى حماية مسيحيي المشرق من مظالم الحكم التركي، ما زالت مستمرة ولم تدفن. ومما يبدو أن السلوك الفرنسي تجاه سورية على وجه الخصوص لم يتغير منذ استعماره لها، فهو مازال يعمل على زرع نزعات الانفصال والتقسيم، وكذلك في العراق بتنسيق أميركي وبريطاني، داعماً إنشاء كيانات ذات أغلبية كردية مناطقية تضم كل الأقليات والطوائف المسيحية الساكنة في المناطق القريبة منها، وممن يدفعون إلى النزوح لتلك المنطقة، مستغلاً ما يجري من أحداث سياسية في منطقتنا، لتوظيفها وتسويقها عاطفياً وإيديولوجياً، عازفاً على لحن دعم «الثورة والثوار» منذ العام 2011، ومحاربة الإرهاب وتنظيم داعش لاحقاً، مستحضراً كل مشاكل المشرق التي زرعها تاريخياً.
في الـ6 من أيلول الجاري، قدم السفير الفرنسي الجديد في العراق إيريك شوفالييه نسخة من أوراق اعتماده، وقالت الخارجية العراقية في بيان لها إن شوفالييه جدد الدعوة لـ«عقد لقاء ثنائيّ بين وزير الخارجيَّة فؤاد حسين ونظيره الفرنسيّ جان أيف لودريان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المُتحدة في نيويورك نهاية الشهر الجاري في إطار فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، وطرح فكرة إقامة مُؤتمر بغداد 2، والعمل على توقيع اتفاقية للشراكة والتعاون قبل نهاية العام الحالي».
وفي الـ8 من أيلول الجاري توجه وفد برلماني من إقليم كردستان إلى فرنسا لتعزيز العلاقات بين أربيل وباريس.
فرنسا تعمل على توسيع نطاق وجودها ودورها في العراق وسورية، وتحاول ملء الفراغ المحتمل الذي قد ينتج عن الانسحاب الأميركي من العراق وسورية، استباقاً للتحولات التي قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
فهل نحن مقبلون على مرحلة عودة السياسات الفرنسية التاريخية التقليدية في سورية والعراق ولبنان؟ ومن سيتناغم معها بعد توجه الولايات المتحدة الأميركية للفرار من المنطقة؟
شاعرنا الكبير الراحل سليمان العيسى، عُذراً على تحوير الكلمة والمعنى المقصود من نشيدكم، إن قلت: «عَـمّـي ماكرون نَجَّارْ.. يَـضْحَكُ فِي يَدِهِ الْمِنْشَارْ»، فالقافية حَكمت كما يقول إخواننا المصريون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن