قضايا وآراء

الإنتاجية وتحسين المعيشة في الدول الأقل نمواً

| الدكتور قحطان السيوفي

يمكن للدول النامية أن ترفع الإنتاجية من خلال تحسين السياسات والإدارة.
وتكون اعتبارات العمل والضرائب من العوامل التي تشجع قرارات الاستثمار والتوظيف.
ويمكن للدول الأقل نمواً أن تحقق زيادة في الإنتاجية بإلغاء الحواجز التي تعوق زيادة إنتاجية المنشآت الاقتصادية.
من هذه الحواجز السياسات الاقتصادية غير ذات الكفاءة والتي تعرقل عمل القطاعات الإنتاجية.
إلغاء مثل هذه الحواجز يؤدي لرفع معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي السنوي لهذه الدول، ويساعد على ذلك تحسين تصميم سياساتها وإدارتها الضريبية كما يوجد في بعض الدول الأقل نمواً شركات عالية الإنتاجية بالفعل، لكن عدد الشركات غير المنتجة أكبر بكثير.
تؤدي السياسات الحكومية السيئة إلى تفضيل بعض الشركات على الشركات الأخرى، ومن أمثلة ذلك الحوافز الضريبية التي تعطى لبعضها، وضعف الإنفاذ الضريبي، والقروض التفضيلية التي تمنح لشركات معينة، والأسواق المالية غير المتطورة.
بالمقابل سنجد أن «ممارسي التهرب الضريبي» يتمتعون بدعم ضمني يسمح لهم بمواصلة العمل رغم ضعف الإنتاجية.
ويكسب «ممارسو الغش الضريبي» امتيازاً في السوق، ما يخفض حصة الأعمال الأكثر إنتاجية المُممتلئة ضريبياً.
تفيد الدراسات بأن الإدارة الضريبية الكفء تحد من انتشار الغش الضريبي الذي يمارسه المدعومون، ليصبح هؤلاء الأقل إنتاجية غير قادرين على المنافسة ويخرجون من السوق.
ويفسحون المجال أمام الشركات المنتجة المُمتثلة ضريبياً كي تنتج أكثر وتستوعب مزيدا من العمالة ورأس المال، وبالتالي زيادة الإنتاجية الكلية.
بالمقابل للتنمية الاقتصادية هناك خطط تضعها الحكومات لتحسين الرفاهية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لشعبها.
تترجم ببرامج وإجراءات وتشمل مجالات متعددة، منها رأس المال البشري والبنية التحتية الأساسية والبيئة والشمولية الاجتماعية والصحة. ويختلف مفهوم التنمية الاقتصادية عن النمو الاقتصادي.
فالأخير يشير إلى ظاهرة الإنتاجية والارتفاع في معدل الناتج المحلي الإجمالي GDP.
أي النمو الاقتصادي أحد جوانب عملية التنمية الاقتصادية والمهارات التي تتشكل في دورة حياة المرء، والعمال المنتجون يحتاجون إلى تعلم مستمر لاكتساب مهارات جديدة وصقل المهارات العملية.
وتلعب برامج التدريب التقني دوراً أساسياً في إعادة تدريب العمال حتى يواكبوا المتطلبات المتغيرة ويكونوا أكثر إنتاجية.
ما الخطوات التي يمكن أن يتخذها التحسين في رأس المال البشري والإنتاجية؟
يجب أن يكون لدى العمال فرصة لتحسين مهاراتهم باستمرار، كما أن توفير الاستثمارات المالية الكافية أمر مهم إضافة إلى ضرورة تشكيل علاقات شراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان الاستجابة للمتطلبات المتغيرة.
في صياغة أي إستراتيجية لتحسين رأس المال البشري يجب أن نتذكر أنه على الرغم من أن الطلب على خريجي الجامعات لا يزال مرتفعاً ومتزايداً، فإن كثيراً من الخريجين عاطلون عن العمل أو يعانون من البطالة الجزئية.
بالنسبة للإنتاجية الزراعية التوسع الأفقي في البلدان الأقل نمواً، أي فتح أراض جديدة أمام الإنتاج الزراعي، مازال يمثل المصدر الرئيس للنمو الزراعي.
لتحقيق زيادات في الإنتاجية الزراعية يجب التغلب على المعوقات الرئيسة ومن أهمها قِلة الحوافز، وقِلة الاستثمارات العامة الريفية، وضَعْف الدعم المؤسسي، وتتطلب زيادة الإنتاجية معالجة المعوقات، والتوسع في المساحات المزروعة تتطلب تنمية الموارد البشرية ودراسة أدوار واحتياجات المزارعين في مجالات التعليم والصحة والتغذية والمعارف التكنولوجية، لأن الصفة الغالبة على البلدان الأقل نمواً هي انخفاض مستوى التنمية البشرية، ولكي يتحقق النمو الزراعي، فمن الضروري اتخاذ إجراءات تعالج حالة «الإعاقة» التي يعاني منها القطاع الريفي في مجالات مرافق البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية والتكنولوجيا ومرافق التسويق وتهيئة البيئة المؤسسية المناسبة.
ومن بين المشاكل الرئيسة التي تواجه المزارعين في الدول الأقل نمواً عدم توافر الأسمدة والكيماويات الزراعية، وتوفير الأعلاف الحيوانية في الوقت المناسب أو بالكميات المطلوبة.
وترتبط هذه المشاكل، بدرجة كبيرة، بالطبيعة الموسمية للحاجة إلى مستلزمات الإنتاج الزراعي، والانتشار المكاني للمزارعين، وضَعْف مرافق البنية الأساسية للنقل، وأحياناً، قصور جوانب التسويق.
ومن العوائق المؤسسية الأخرى عدم توافر الكهرباء في الوقت المناسب لتأمين المياه اللازمة للزراعة.
بالنسبة لخدمات الإرشاد والتدريب، هناك ضَعْف في المعارف التكنولوجية لدى المزارعين وهو سبب عدم الأخذ بالأساليب التكنولوجية الجديدة.
كما تواجه البلدان الأقل نمواً نقصاً كبيراً في الموارد المحلية للاستثمارات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية في القطاع الزراعي إضافة إلى أن تحسين حوافز الاستثمار يتطلب إطاراً مناسباً من القوانين والنظم.
فمن الضروري وجود تكامل قوي بين الاستثمارات العامة والخاصة من أجل دعم النمو الزراعي، ويعتبر القطاع الخاص هو المصدر الأساس للاستثمارات الزراعية كما تعد الاستثمارات العامة من المقتضيات الأساسية التي لا غنى عنها، وهي تشمل أساساً البحوث ومرافق البنية الأساسية، كما أنها تعد من العوامل المساعدة والمكملة للاستثمارات الخاصة.
أخيراً فإن الإنتاجية هي القوة الدافعة والمصدر الحاسم لتحسين مستويات المعيشة، والحفاظ على نمو الإنتاجية هو السبيل لتحقيق معدل نمو اقتصادي إيجابي على المدى الطويل، وأتمنى على المسؤولين المعنيين بالاقتصاد في الحكومة أن يطلعوا على هذا المقال آملاً أن تساعد الأفكار التي وردت فيه على زيادة الإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة في وطننا سورية الذي يتعرض لحرب وحصار اقتصادي ظالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن