ثقافة وفن

«تاريخ سورية القديم وآثارها وحضارتها» من الكتابة إلى العمران والفنون والمعابد تأثير حضاري سوري لا يزول

| سوسن صيداوي

الهوية الثقافية للأوطان والبلاد حول العالم هي محل مراهنة في هذه الأيام، ولكن ما يُكسب الرهان بالتصدّي وفي مواجهة كل من يحاول طمسها، هو الاستمرار في الحفاظ على أسسها الثابتة. ومن هذه الأسس نقف عند الآثار والكتابات القديمة المكتشفة داخل الجغرافية السورية وفي المناطق المجاورة لها والتي تعود إلى عصور ما قبل الكتابة حتى العصر السلوقي.
واليوم في محطتنا نسلّط الضوء على بعض قليل مما جاء في كتاب (تاريخ سورية القديم وآثارها وحضارتها) لمؤلفه الدكتور عيد مرعي، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب. حيث يضيء على الإنجازات السورية الحضارية الرائعة كاكتشاف الزراعة وصناعة الفخار وبناء المدن الأولى، وابتكار الأبجدية، ومعرفة فنون كثيرة منها الرسم والنحت، إضافة إلى معلومات غنية جداً احتوتها الفصول الستة للكتاب.

الأهمية السوريّة

في مقدمة الكتاب أشار د. عيد مرعي إلى الأسباب التي تجعل من سورية قلب الشرق القديم، فهي بداية كانت حلقة وصل أساسية بين مختلف بقاع ذاك الشرق، كما تميزت بغناها بالثروات الطبيعية من أخشاب وأحجار وزيت زيتون وكروم وخمور وحبوب وأشجار مثمرة متنوعة، جعلتها هدفاً للبعثات التجارية والجيوش الغازية من مختلف الجهات، من الشمال الأناضول، ومن الجنوب الغربي من وادي النيل، ومن الشرق من الهضبة الإيرانية وبلاد الرافدين، ومن الغرب من حوض البحر المتوسط الشرقي وبلاد الإغريق. متابعاً المؤلف بالقول: «تماماً كما يحدث حالياً إذ تتصارع القوى العالمية الكبرى والقوى الإقليمية منذ 2011 من أجل السيطرة على سورية بسبب غناها الكبير بالثروات الباطنية من غاز ونفظ وفوسفات وسيليكون وغيرها، إضافة إلى موقعها الإستراتيجي الواصل بين مناطق العالم المختلفة، وربما كان هذا أحد الأسباب الرئيسة في عدم قيام دولة مركزية واحدة تجمع أطرافها المتباعدة قديما وحديثا، على الرغم من قيام محاولات بهدف تحقيق ذلك».

فصول الكتاب

يسلّط الكتاب في فصوله الستة الضوء على المواقع بأسمائها ومقتنياتها مع محاولة تفسير الأسماء وتحديد المواقع والحدود الطبيعية في مواقع التنقيبات الأثرية، بداية من عصور ما قبل التاريخ في سورية، من العصر الحجري القديم والوسيط والحديث ومن ثم العصر النحاسي، انتقالاً إلى فجر الحضارة وظهور المستوطنات والمدن الأولى في سورية. ليشرح الفصل الثالث الذي جاء بعنوان: سورية في الألف الثالث قبل الميلاد، حول موقع إيبلا وقصة اكتشافه، والإبحار في الحديث عن حضارة إيبلا سواء السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها من الجوانب الأخرى. على حين يفرد الفصل الرابع الحديث حول موضوع سورية في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد (العصر الأموري)، وبالوقوف عند مملكة ماري بتاريخها سواء في الألف الثاني قبل الميلاد وفي الحكم الآشوري وفي عهد زمري ليم، وفي الجوانب الاقتصادية والدينية. على حين الفصل الخامس يقف عند عنوان سورية في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد (صراع القوى الكبرى على سورية)، وهنا يتناول الحديث عن العديد من الممالك نذكر منها: مملكة أمورو، مملكة قاديش، مملكة جُبيل، مملكة أوغاريت. ونختم هنا عند الفصل السادس والذي يسلّط الضوء على سورية في الألف الأول قبل الميلاد، ليقف عند الكنعانيين والفينيقيين والآراميين والإسرائيليين وكذلك سورية في ظل الاحتلالين الفارسي– الأخميني والمقدوني.

التأثير السوريّ بالعالم

هناك الكثير من العوامل التي أشار إليها المؤلف د. مرعي حول أهمية سورية وأسباب تأثيرها بالعالم أجمع. فإضافة إلى ابتكار الكتابة والأبجدية، ازدهر البناء والعمران والفنون المختلفة من رسم ونحت وتزيين وزخرفة، وهذا ما تشهد عليه على نحو أساسي القصور والمعابد المكتشفة، كمعابد وقصور إيبلا وماري وأوغاريت.

ويشير المؤلف إلى أن سورية كانت ملجأ لبعض الجماعات المهاجرة التي قدمت إليها من مناطق أخرى مجاورة، حيث استقرت فيها بسبب التسامح والأمان اللذين منحهما سكانها الأوائل لكل من أتى إليها. كما ويظهر التأثير السوري واضحاً في انتقال الكثير من أسماء العلم التي شاعت في سورية في العصور القديمة إلى الإغريق والرومان ومنهم إلى أوروبا الحديثة وأميركا منها نذكر: بعل (بيل)، صموئيل، جبرائيل، دانييل، ديان، سارة، إزابيل وغيرها.

كما يوضح د. مرعي نقطة مهمة وهي أن سورية الطبيعية صحيح أنها فشلت في تحقيق وحدتها السياسية في العصور القديمة، إلا أنه كان لها وحدتها الثقافية والدينية والحضارية والتي تظهر بوضوح في استخدام لهجات متقاربة بين سكانها سميت بأسماء مأخوذة من أسماء مدنها أو مناطقها.

وأخيراً نذكر بأن هذا الكتاب يتناول جميع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية التي شهدتها منطقة سورية الطبيعية أو الكبرى منذ عصور ما قبل الكتابة حتى احتلال الإسكندر المقدوني الكبير لها وللشرق القديم بعد معركة إسوس المشهورة في العام 333 ق.م. معتمداً المؤلف على المصادر المكتوبة والأثرية المكتشفة في الأرض السورية أو خارجها حيث انتشر سكان سورية القدماء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن