في شهرِ كانون الأول الماضي، توفي الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان عن عمرٍ قاربَ 95 عاماً في أحد مشافي المدينة التي ينحدر منها «آندر إي لواير» وسط فرنسا. واللافت أن الإعلام الفرنسي عندما نعى الرئيس صاحب التهديد الشهير لانفصاليي جزيرة صقلية بقصفهم بالطيران إن لم يتراجعوا عن تمردهم، علّلَ سبب الوفاة بـ«كوفيد 19»، لكن الرجل معروف بمدينتهِ بأنه يعاني من مشاكل قلبية منذ أكثرَ من ثلاثة عقودٍ و دخلَ قسم العناية القلبية ولم يخرج منها هذه المرة.
هذه الحادثة رفعت يومها بورصةَ التشكيك بالجائحة تحديداً فكرة ربطِ أي وفاةٍ بها بهدفِ رفع أرقام الوفيات، بل إنَّ البعضَ تساءل:
إذا كان أمر التزوير حدثَ بوفاةِ رئيسٍ فرنسي أسبق، فما حال المواطن الذي مات بأسبابٍ غير كورونا؟!
لكن بمعزلٍ إن كان هناك من لايزال يشكِّك بأن كورونا مسرحية أو صراع سياسي علينا أن نتذكر بأن حكومات العولمة نظرياً لم تستفد من هذه الجائحة، على العكس هي كانت عبئاً عليها ولنأخذ مثالاً دولة كفرنسا حيث تتكفل الدولة بكل نفقات العلاج والتحاليل والاستشفاء واللقاح بنسبة مئة بالمئة، إذاً لماذا مازلنا نشككِّ بالأمر؟
ربما قد يبدو الأمر محقَّاً بأن هناك مبالغة في تفسير الخطر لكن الفيروس موجود واحتمال الإصابة كبير بمعزل إن كانت الإصابة مميتة أو عابرة، هنا تصبح فكرة اللقاح ضرورية لكن السؤال المطروح اليوم كيف يمكننا اقناع من لم يقتنع بتلقي اللقاح؟
الكثير من الدول يبدو وكأنها يئست من فكرةِ الاقتناع، ومع ارتفاع عدد الإصابات والوفيات مارست هذهِ الدول نوعاً من الديكتاتورية الناعمة، هي لم تجبر الناس على تلقي اللقاح بنص قانوني واضح، بل أحاطتهم بمجموعةِ قراراتٍ قد تصل إلى حدِّ فقدان العمل وامتناع الحكومة عن دفع تكاليف فحص الـ«بي سي ار» الذي لايزال مجاناً.
في سورية لا يختلف الوضع كثيراً، و لنكن صريحين فإنَّ انتظار فكرة الاقتناع قد يطول كثيراً، هناك من لا يزال يستفسر مثلاً عن قصصٍ وحكايا لاتزال عالقة في الأذهان تمثل عائقاً أمام التشجع على أخذِ اللقاح:
هل حقاً يؤدي للعقم؟ هل فعلياً سيجعلنا أشبه بالقطيع؟ وغيرها من الروايات الهوليودية التي لا أساسَ لها فهل سنتحرك قبلَ فوات الأوان؟
حسبَ ماتؤكد المعلومات فإنَّ اللقاح متوفر في سورية، لكنّ هناك عزوفاً عن تلقيهِ وأرقام الاصابات والوفيات في ارتفاعٍ فما الحل؟ غالباً مانحتاج لنوعٍ من الديكتاتورية الناعمة والشجاعة باستخدامها في قضايا هامة، ابحثوا عن مجموعةِ اجراءاتٍ تُلزم المواطن بتلقي اللقاح، من دون أن تنتهك حريته الشخصية تحديداً أن الأمر هنا مرتبط بالصحة العامة وليسَ الشخصية.
بعض الإدارات لم تعجز يوماً عن جعل الجميع يتبرع لفيضانات السودان، ومهجري الصومال، أو جمعَ الحشود ليحضروا ندوة حزبية مملة أو مهرجاناً للتصفيق فهل عجزتم عن إيجاد طريقة لجعل اللقاح إلزامياً تحت سلطة سموها «ديكتاتورية اللقاح»؟ لا أعتقد ذلك فالأساليب كلها متاحة فقط على البعض أن يفكرَ أبعدَ من جدرانِ مكتبه.