ثقافة وفن

ذاكرة الأدب

| منال محمد يوسف

إنَّ الأدب هو ذاكرة الشّعوب ويُمثّل وجهها المُشرق ونور حضارتها، هو تلك المرآة الجميلة التي تعكس «صورة جماليتها في كلِّ حال من الأحوال» وهو يُمثّل بهاء الصورة التي تعكس ماهيّة أمرها القويم.
وقد يمتثل لنا ذاك الناطق الذي يروي حياة الشعوب بطرائق فنيّة وإبداعيّة، إذ نراه خير من يقرأ علينا الكثير من سير العارفين وتجارب الآخرين.
فالأدب هو تلك الذاكرة المُثلى التي ينطق عظيم صوتها لِيخبرنا عمَّا مضى في سابق العهدِ والأوانِ، وهو العين المثلى التي تلتقط الصورة الحقيقية لكل عصرٍ من العصور ولا تكتفي بذلك فحسب وإنما تقوم بدور المؤرّخ الذي يُجيد فنّ تسجيل الوقائع وإنارتها بشعلة الأدب ونورها المتّقد دائماً وأبداً وبما يُضيف عليها من أشياءٍ تعمل على بلورة «روح الأدب لديها» وتجعله يستحق اسم «الحافظة الأدبية أو الذاكرة الثقافيّة» التي تُبرمج كلّ شيءٍ حسب المفهوم الثقافيّ ولغته الجماليّة المُثلى..
وتجعلنا نرى الأدب وكأنّه يمتثلُ «ذلك الوعاء الجماليّ الذي ينضح بما وِضعَ فيه» نراه وكأنّه يُمثل ذاكرة حياة تزهو وتزدهر بها تواريخ وحوادث مهمة، قد نتعرّف عليها من خلال أدبيات يجدر الاهتمام بها وقد تُشكّل ملامح الإرث الثقافيّ..
وقد تسمو «ذاكرة الأدب» وتبدو كالشّموس السّاطعة التي تقتبس نور معارفها من الماضي البعيد الغابر ولا تكتفي بذلك وإنما تُضيف عليه من «مُضارع الإبداع الأدبيّ الجديد المستجد» وبهذا الشكل نُلاحظ كيف تتشكّل «صيرورة ذاكرة الأدب» وينطق صوتها البليغ.
تنطق فهرسة التواريخ بشكلٍ أدبيّ وقد تجدها حقاً وقد تجمّلتْ بروح الأدب العظيم وهنا نرى الأدب وكأنّه يُضيءُ «ذاكرة المكان والزّمان معاً».
ويحمي كلاً منهما من الاندثار، وتجعله حقيقةً مؤكدةً تُقرأ في كلِّ حين.. وهنا يُستحضر السؤال التالي: كم من الأشياء التي يُقرّبها لنا الأدب؟، كم من الأشياء التي تجمّلت «بروح الأدب العظيمة»؟
وكم من «معارك مهمة» نستشعر حدوثها عندما نقرأ عنها ونراها بكل تفاصيلها وكأنّها قد وُجدت بين ضفتيّ هذا الكتاب أو ذاك.. وبالتالي يجوز تسميّة هذا «الأدب التوثيقيّ»، وكم من الأماكن التي تعرّفنا عليها من خلال القراءات، وكلّ هذا يؤكد أهمية وحتمية الربط بين الأدب ومهامه الأخرى، والأهداف المثلى المتوخاة والأهداف من هذه الكتابة أو الأشياء التي تُثقل «ذاكرة الأدب».
وقد نرى في كلّ ما تقدم جواباً لذلك السؤال القائل: أيصحُ الأدب أن يُصبح قويماً من دون ذاكرة يقوم عليها؟
هذه الذاكرة التي تتشكّل وتسمو وقد تحملُ صفة المرجعيّة وتجعلنا نستقرئ كيف تتعدّد الأدوار المُناطة بهذا الأدب وذاكرته.
وإذ كُنا نعتبر أن الأدب هو ذاكرة الأشياء التي يجب أن تُنقل بصدقٍ وواقعية لا مثيل لهما، فإنَّ السؤال التالي الذي يُصادفنا: ألا تحتاج تلك الوقائع لشيءٍ من جمالية الأدب لكي تُكتب بمحبرته وتجمّل بها؟ تُجمّل بروح الإبداع وجماله الأمثل؟
وكيف لها أن تُمنح كلّ هذا وتبقى على المصداقيّة ذاتها؟..
كيف لها أن تُصبح عناوين موثوقة النهج الواقعي والإبداعيّ في آن معاً، هذا النهج الذي ترتقي من خلاله «ذاكرة الأدب»، وبالتالي تسمو «ذاكرة النهج الموثّق فعلياً بشكل أدبي» ما يضعنا أمام حقيقة جماليّة لا يُماثلها إلا نهج الأدب الرفيع..
هذا الأدب الذي يحمل دساتير عظيمة مضاءة التواريخ، ويظهر وكأنّه هو «خيرُ حافظة لوقائع قد وقعت وحدثت فعلاً» وخيرُ ما يرفد «الذاكرة الأدبية أولاً».. ويرفد كل المجلّدات العظيمة التي تخصّها بشكلٍ أو بآخر ويؤرّخ لشيءٍ إعجازي الوقائع، وبالتالي يؤرّخ لشيءٍ إعجازيّ الوقائع يُثقل ذاكرة الأدب ويُضيف إلى حقيقة أمرها العظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن