قضايا وآراء

من ملامح السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

| الدكتور قحطان السيوفي

بعد أشهر من انطلاقة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، هل يشهد العالم في عهده تحسناً في السياسة أم مزيداً من الخراب؟ وكيف تبدو الأمور في الشرق الأوسط؟ وكيف تحاول السياسة الخارجية الأميركية أن تتعاطى معها؟
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، كان يقول إن مفهوم المصالح العليا لأميركا تغير كثيراً عمَّا كان عليه بعد الحرب العالمية الثانية.
اليوم أصبحت الصين، هي التحدي الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، والتوجه شرقاً سيكون على حساب الغرب والشرق الأوسط الذي تراجعت أهميته مع تزايد إنتاج أميركا للبترول الصخري. والتهديد النووي الإيراني في رأي الإدارة الأميركية، خطر لكنه بعيد، وصفقة طالبان موجهة ضد الصين التي تزحف باتجاه آسيا وإفريقيا من خلال مشروعها الضخم «الحزام والطريق».
دول النفط الشرق أوسطية، هي المورد الأول للطاقة، والسعودية أكبر مصدر نفطي للصين، ما يجعل واشنطن تعيد تفسير مفهوم المصالح العليا في ضوء التنافس على المنطقة ومصالحها ومصلحة إسرائيل.
يريد بايدن دعم السعودية وتعزيز نفوذ بلاده من دون التورط العسكري مباشرة، وإدارة بايدن رفعت اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب للتفاوض معهم.
يعتقد كثيرون أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ستتغير مع بايدن، ربما للاختلافات بين شخصيتي الرئيسين السابق ترامب والحالي بايدن، ونظرتهما للعالم ولدور الولايات المتحدة الأميركية، بالمقابل يرى البعض أن مؤشرات التغيير واضحة مثل موقف بايدن من الملف النووي الإيراني، وأن بايدن اعتبر حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتسوية النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل، نعم، ثمة تغيير؛ لكن في أدوات السياسة لا في نتائجها.
فالتغيرات الملحوظة للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط ذات طابع تكتيكي، أما الإستراتيجيات الكبرى الأميركية في الشرق الأوسط، فهي لا تتغير بتغير الرؤساء.
في الحقيقة، أن دور الرئيس الأميركي ووزارة الخارجية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في أضيق حدود المناورة، وهو عملياً يُرسم ويُقرر من اللوبي الصهيوني.
الرئيس الأميركي يتغير كل 4 سنوات، أما اللوبي الصهيوني، فأهدافه وسياساته لا تتغير.
الواقع، أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ليست مرتبطة بالكامل بمصالح الدولة الأميركية كما يتخيل الكثيرون؛ بل إنها تابعة لإرادة جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، وهي الجزء الأهم من عالم المال المسيطر في أميركا، هذا الرأي مدعوم بالكثير من الأدلة.
وداعمو إسرائيل يحكمون قبضتهم على كل مفاصل السياسة الأميركية في الكونغرس والبنتاغون والاستخبارات والبيت الأبيض.
عام 2016 تمكنت إسرائيل من الحصول على صفقة مساعدات عسكرية تعد الأكبر في تاريخها بقيمة 38 مليار دولار تحت إدارة أوباما.
أما ترامب، فقد سخر نفسه لخدمة إسرائيل، اعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل واعترف بالجولان السوري المحتل بأنه جزء لا يتجزأ من إسرائيل، ورعايته لاتفاقيات التطبيع مع دول عربية.
وما أورده السيناتور الأميركي بول فندلي في كتابه «من يجرؤ على الكلام.. الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي»، دليل واضح بقوله إن تأثير رئيس وزراء إسرائيل على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط أكبر بكثير من تأثيره في بلاده ذاتها.
المتابع للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط لا يجدها تحيد عن تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي لإسرائيل، لذلك بقيت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ثابتة عبر جميع إدارات البيت الأبيض إذا نظرنا لمضمونها لا إلى الشكل.
الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة المدعومة أميركياً، تعتمد «إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في المنطقة» تمهيداً لتفتيتها إلى كيانات ضعيفة متناحرة.
وبسبب التحديات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، من استمرار أزمة كورونا، إلى وضع اقتصادي حرج، تسعى إدارة بايدن إلى تجنب أي أزمة في الشؤون الخارجية قد تزيد في المشكلات الداخلية، لذلك يسعى البيت الأبيض إلى سياسة خارجية لا تفتح إلا الملفات الضرورية، أو تلك التي تم الالتزام بها، كالعودة إلى الاتفاق النووي أو تنفيذ اتفاق الدوحة والصفقة مع حركة طالبان، الشرق الأوسط مجموعة براكين متفجرة، وعدم تهدئتها سينعكس كهزات سياسية في الداخل الأميركي.
الرياح ستصل بلاد العم «سام» عاجلاً أم آجلاً، فصفقة طالبان ستخلف من ورائها كياناً تكفيرياً، وتنتعش فيه المجموعات «القاعدية» و«الداعشية».
سورية لا تظهر بوضوح على أجندة إدارة بايدن، بل هناك تعمّد واضح لتجاهلها؛ غياب سياسة أميركية خاصة بسورية، وستبقى ملحقة باتجاهات العلاقات الأميركية مع اللاعبين الثلاثة الآخرين، إيران وتركيا وروسيا، إضافة إلى إسرائيل.
سياسة إدارة بايدن تجاه سورية لن تكون أفضل من سياسة ترامب، بل قد تكون انعكاساتها أسوأ، وهي استمرار احتلال أراضٍ سورية وسرقة ثروات سورية من الطاقة والزراعة ودعم لعملاء أميركا الممثلة بـ”قوات سورية الديمقراطية – قسد» الانفصالية، وستستأنف مفاوضات فيينا المفتوحة حول الملف النووي الإيراني من دون أفق.
عمليا لن تتوقف السياسة التدميرية لواشنطن بالشرق الأوسط في عهد بايدن حتى لو غيرت جلدها.
بايدن ومنذ الأيام الأولى قدم عدة قرابين على مذبح أيباك منها؛ الملف الفلسطيني وملف التطبيع، في هذا الملف لن يتراجع بايدن، وهو ليس قادراً على التراجع، عن كل «المكتسبات» الإسرائيلية التي تمت في عهد ترامب.
وقالها بايدن صراحة بأنه لن يكون هناك سلام في منطقة الشرق الأوسط إلى أن تعترف المنطقة بحق إسرائيل في الوجود. مؤخراً قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز في مؤتمر حول الأمن القومي: «نحن لا نضع أفغانستان في صدارة قائمة الأولويات، بل ننظر إلى اليمن والصومال وسورية والعراق.. هناك نرى التهديدات الأخطر».
سياسة بايدن في الشرق الأوسط تشهد تغيراً عن سياسة سلفه في التكتيك وليس في المضمون ولهيبها سيخلق دخاناً كثيفاً في واشنطن وهي تستعد للدخول إلى سنة الانتخابات النصفية المفصلية العام المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن