قضايا وآراء

لماذا تلعب واشنطن بالنار… في المنعطف الأخير..!؟

عبد السلام حجاب :

يمكن القول إن لكلاب الحراسة وظائف تعكسها خبرات الساسة الأميركان في صلب تحركهم لبسط النفوذ والهيمنة، عبر دول تابعة وأطراف جرى إعدادها للقيام بأدوار وظيفية بحيث تبقى واشنطن الرابحة في نهاية المطاف، ومن دون أن تتردد في لحظة ما بالتخلص ممن ضاقت جمجمته عن حجم دماغه فيصبح خطيراً، ولعل الشواهد عديدة ولا يحتاج متابع إلى إضافة بالشرح والتذكير.
وعليه، كيف لواشنطن ألا تدرك وتعرف حقيقة التزاماتها تجاه البيان الأخير لاجتماع فيينا الموسع، بما له من إيجابيات وما عليه من ملاحظات أشارت إليها الخارجية السورية للمبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا في دمشق وأهمها عدم تضمين البيان إلزام تنفيذ دول معروفة وموصوفة داعمة للإرهاب لمندرجات قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمحاربة الإرهاب التي تتخذ من التعطيل السياسي والدبلوماسي لتلك القرارات مظلة لتحركها المتعدد الأشكال لدعم الإرهاب. علماً بأن الوزير لافروف أعلن عقب لقائه دي ميستورا في موسكو «أن روسيا وأميركا والأمم المتحدة رؤساء لعملية التسوية السياسية في سورية التي انطلقت في فيينا «مؤكداً» وجوب تحديد ما يسمى المعارضة المعتدلة ومن التنظيمات الإرهابية الأخرى التي يجب إضافتها قبل لقاء فيينا القادم». كما جرى تبادل الآراء بشأنهما بين الوزير الروسي لافروف ونظيره الأميركي كيري في اتصال هاتفي قبيل تقديم المبعوث الدولي دي ميستورا تقريره إلى مجلس الأمن عن حصيلة مشاوراته يوم غد الثلاثاء.
وانطلاقاً من الواقعية السياسية، يجب القول إن واشنطن تدرك ذلك كله، لكنها وحسب المعطيات السياسية والميدانية تناور باتجاه تعويم أحلام الأطراف في ملفها الإرهابي المأزوم، والمحافظة على الأدوار الوظيفية التي يؤدونها ما يجعل المسألة أكثر تعقيداً وتفجراً وتدفع اجتماع فيينا الموسع الثاني إلى لائحة الانتظار، ومن دون أن تأخذ واشنطن بالحسبان أن الإمعان في الجريمة لن يفيد مشاريعها ومخططاتها بعد الإمعان بالتورط والفشل، وذلك لأسباب عديدة من بينها:
1- أن سياسة واشنطن مزدوجة المعايير، تعكس أيديولوجيا لا تستطيع مغادرتها إلى سياسات تلتزم بالمبادئ والقرارات الدولية ما دامت لا تخدم مصالحها وأجنداتها السياسية والعسكرية، ويتأكد ذلك بالإصرار على اللعب بالنار قبيل المنعطف الذي حدد مبادئه بيان فيينا الأخير، باعتبارها لا تخدم مصالحها لتكون الرابح الوحيد ولا يلبي أحلام أطراف حلفها الإرهابي في عالم تخطى الأحادية القطبية إلى غير رجعة.
2- سعي ميداني لواشنطن لتخريب الجهد السياسي الروسي إذ تعتبر خطواته العملية في هذا الصدد سابقة لأوانها، وإعلان الرئيس أوباما الدفع بقوة عسكرية برية إلى داخل سورية في خطوة مشبوهة سياسياً كما تحرف محاربة الإرهاب عن أهدافها بتمهيد الطريق لتحقيق الحل السياسي الذي يقرره السوريون بأنفسهم. ولقد أعلن المبعوث الدولي إلى سورية في تصريح له من موسكو أن السوريين وحدهم يقررون مستقبل بلدهم ومن يقودهم في المرحلة القادمة، وكان الباحث الألماني ماركوس كايم وصف في صحيفة تاكس شبيغل الإستراتيجية الأميركية في سورية بالفاشلة، داعياً إلى التعامل مع روسيا وإيران بشأن حل الأزمة في سورية ونهجها الجديد في محاربة الإرهاب.
3- فهم مرتبك وحاقد للنجاحات التي يحققها الجيش العربي السوري وسلاحه الجوي بالتعاون الشرعي مع القوات الجوية الروسية في المعركة الحاسمة للقضاء على الإرهاب، على أنه بوابة إسقاط ميداني وسياسي لأدواتها الإرهابية وما تمثله من مشاريع أميركية في سورية والمنطقة وما تتطلبه ملاقاة هذه الوقائع التي تنال من سمعة الإمبراطورية الأمريكية وانعكاساتها السلبية على مصالح الكيان الإسرائيلي والأطراف التي تتعاون وتنسق معه لخدمة الجماعات الإرهابية وأجنداتها مثل العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر وآخرين علقوا آمالهم وأحلامهم العدوانية الطوباوية على المشجب الأميركي في معادلة الصراع الدائر وقد بلغ منعطفه الأخير.
من دون شك، فإن المراقب السياسي للمشهد السياسي والميداني في سورية وما يحاك من حولها، بتداعياتها الحالية واللاحقة يمكنه، استنتاجاً قول ما يلي وإن ليس كافياً، لكنه لن يكون مبالغاً فيه، وفقاً للإشارات التالية:
1- تحسب أميركي تشاطره فيه أطراف حلفه الإرهابي من أن تشكل مبادئ فيينا قاعدة انطلاق لإسدال الستارة على المشاريع الأمريكية وما تم التعليق على مشجبها من مصالح وآمال آخذة بالتلاشي.
2- إن واقع المعطيات السياسية لمبادئ فيينا، من حيث الإجماع على محاربة الإرهاب، وإن السوريين وحدهم الذين يقررون مستقبلهم من دون تدخل خارجي يجعل منها منعطفاً يقطع الطريق أمام أي أجندة إرهابية والخط الفاصل بين ما قبل فيينا وما بعدها!
3- محاولات يائسة مستمرة تسعى واشنطن وأطراف حلفها من خلالها إلى المراوغة والمكابرة أمام الرأي السائد بضرورة محاربة الإرهاب بإيجاد تغطية سياسية وإعلامية لجماعات إرهابية تصفها بالمعتدلة داخل المشهد العام، ولن يكون اللعب على هوامش ما يعرف باللاجئين السوريين خارج هذا السياق.
4- يبدو مرجحاً إقدام واشنطن على مغامرة اللعب بالنار وتحريض أطراف حلفها للقيام بأدوار إضافية للزج بالإرهابيين وتسليحهم.
وقد أعلن ستيف وارن المتحدث باسم تحالف الإرهاب الذي تقوده واشنطن بوقاحة أنه سيتم إسقاط المزيد من الأسلحة والذخائر لمن سماهم القوى التي تحارب داعش في بلطجة تنتهك حقوق الدول السيادية ومبادئ الأمم المتحدة.
وكان وزير الخارجية وليد المعلم قد أبلغ المبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا بأن أي جهد لمكافحة الإرهاب لا يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية هو ابتعاد عن هدف مكافحة الإرهاب وانتهاك لمبادئ الأمم المتحدة ولا نقول جديداً إنه محاولة لتغطية أجندات سياسية لا تساعد على الحل السياسي الذي يريده السوريون بقدر ما تعمل على تمدد الإرهاب وإطالة أمد الحرب على سورية.
ولا شك بأن السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد متمسكون بصلابة بخياراتهم الوطنية السيادية التي تلقى دعم وتأييد الأصدقاء في السياسة والميدان.
وإذا كان القضاء على الإرهاب مقدمة لا بد منها لبناء سورية بإرادة السوريين وقرارهم السيادي المستقل فإن الوقائع العسكرية والسياسية تؤكد أن النصر قادم لا يخطئه من يقرأ في عيون رجال الحق في الميدان وإن كره الحاقدون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن