قضايا وآراء

خطط بلينكين للمنطقة

| تحسين الحلبي

يشير السجل التاريخي للولايات المتحدة إلى أنها الدولة التي شنت أكثر عدد من الحروب في العالم وأكثر دولة تتدخل بشكل مباشر وغير مباشر سرياً أو علنياً عسكرياً واستخباراتياً واقتصادياً في شؤون معظم دول العالم ففي القرن التاسع عشر قامت بهذه الأعمال العدوانية في جوارها الأميركي اللاتيني لإعداده بما يخدم مصالحها وإبعاد بقية المنافسين الاستعماريين عنه وفي القرن العشرين اتسعت حروبها فشملت القارات الثلاث بعد الحربين العالمية الأولى والثانية واستمرت بانتهاج هذه السياسة في القرن الحادي والعشرين حتى اتسع وجودها العسكري في أكثر من 120 قاعدة بمختلف الأحجام ولا أحد يمكن أن يصدق بموجب هذا السجل التاريخي لكل أشكال عدوانها وحروبها أن لها مصلحة بالسلام العالمي الشامل ما لم تكن هي المهيمن الأكبر فيه وما لم تكن صاحبة أكبر وأقوى قدرة ردع لكي تمنع الدول من التحرر من قبضتها بل وتمنع أي دولة كبرى من منافستها أو مشاركتها في مصالحها الاستعمارية.
ويثبت سجل ما أسسته من أحلاف واتفاقات مشتركة خلال القرنين الماضيين مثل حلف الأطلسي في أوروبا والسنتو والسيتو في آسيا ونفوذها بين دول الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي في منطقتنا أنها لا تقبل بأن يكون غيرها من الدول صاحبة القرار الحاسم في كل هذه الأحلاف والمنظمات الإقليمية وهي التي تعد نفسها صاحبة القرار المتنفذ حتى على منظمة الأمم المتحدة وسياستها في العالم وبرغم كل ذلك لم تنج من الهزائم والفشل في مختلف المناطق.
ولذلك لا يضيف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن شيئاً جديداً إلى المصالح الأميركية حين يدعو إلى توسيع دائرة الإطار الذي أطلق عليه اسم «اتفاقات أبراهام للتطبيع مع تل أبيب» من دون أن يتطرق إلى جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي وضرورة إيجاد الحل العادل والشرعي لقضية الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه الوطنية والتاريخية فيه وكأن الشعب الفلسطيني نال حقوقه أو تنازل عنها ولم تعد هناك قضية لشعب سلبت الصهيونية منه كل حقوقه الشرعية والقانونية في وطنه وحولت معظم شعبه إلى لاجئين خارج الوطن ومن دون حقوق تضمن بقاءه داخل ما بقي من الوطن.
ومع ذلك يبدو أن بلينكين سيضع خريطة الشرق الأوسط أمامه ويفتش عن الدول «الصديقة» للولايات المتحدة أو المتحالفة معها لحملها إلى تل أبيب بعد أن نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي بحمل ثلاث دول إلى تل أبيب لتطبيع العلاقات معها وفي هذه الخريطة سيجد بلينكين دولاً صديقة مثل الكويت وعمان وقطر والسعودية رفضت في عهد ترامب السير في هذا الاتجاه وحافظت على مواقفها الوسطية تجاه هذا الموضوع فلا هي في حالة إعلان حرب على إسرائيل ولا هي في حالة تطبيع معلن معها أيضاً ومع ذلك يتوقع المحللون في واشنطن أن يجد ملوك ورؤساء هذه الدول حججاً كثيرة للتمسك بموقفهم فرئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت يؤكد دائماً أنه لن يسمح بإنشاء دولة فلسطينية ولن يقابل رئيس السلطة الفلسطينية في حين أن نتنياهو رئيس الحكومة السابق كان يتجنب الإعلان المباشر وبهذه الصراحة عن هذا الموقف برغم أنه يحمل نفس ما أعلن عنه بينيت وبالتالي قد يتجه بلينكين نحو تحريك الملف السوداني لتتويجه لنقل الخرطوم إلى الوضع السائد بين البحرين وتل أبيب وربما يتجه نحو ليبيا التي قد يستخدم فيها أوراقاً يعدها مناسبة للتدخل وممارسة الضغط برغم احتمالات إخفاقه معها أو قد يتجه إلى موريتانيا بعد أن وجد أن تونس والجزائر ترفضان سياسة التطبيع وتتمسكان بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين وقرارات الجامعة العربية وسيجد في النهاية أنه سيفشل وستتمسك سورية ولبنان والعراق وإيران كعادتها بمواقفها التاريخية ضد هذا الكيان الإسرائيلي وبمناهضة الهيمنة الأميركية في المنطقة وستجد تونس والجزائر أنهما ليستا وحدهما وأن دولاً أخرى عربية خليجية ستتمسك بقرارات الجامعة العربية وقمة بيروت عام 2000.
ولا شك أن هزيمة خطة بلينكين التي يتوقعها معظم المحللين في الساحة العربية ستخلق معها تراجعاً للنفوذ الأميركي من جهة وتزايداً من الجهة الأخرى للخط السياسي العربي والإقليمي الذي يتمسك بسياسة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته وإعادة التوافق والانسجام إلى المواقف المشتركة التي كانت تجمع الدول العربية وتقلص التأثير السلبي للقضايا الخلافية وربما لن تجد القيادة الإسرائيلية في ظل وضع كهذا ما يشجعها على المبادرة بأي عدوان عسكري على قطاع غزة أو على محور المقاومة الذي تتجنب أي حرب مباشرة ضده برغم كل ما تعلنه من تهديدات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن