ثقافة وفن

«مازلت أسعى وراء الجميل ولكني لا أدركه» … بعد مشوار طويل في النحت وتطويع البازلت.. فؤاد أبو عساف يغادر عالمنا

| سارة سلامة

«مازلت أسعى وراء الجميل ولكني لا أدركه».. هذه واحدة من أبرز مقولاته، الفنان النحات الذي لم تمنعه قسوة البازلت وجبروته من صياغة الجمال، واستحضار الخيال والأساطير، وخلق فكرة من خلال مجسمات تقف راسخة تحاكي المكان والزمان، وتترك عبرة وكلمة تروي قصصا ًعنها.

لطالما طوع النحات السوري فؤاد أبو عساف البازلت الأصم عبر منحوتات ساحرة منها: «منحوتة قريتي، بحر، بوابة القدر، والشهيد والكثير في رصيده الفني.. ليرحل منذ أيام قليلة عن عالمنا، عن عمر 55 عاماً، بعد معاناة مع مرض عضال، وقد نعاه فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في السويداء والاتحاد الوطني لطلبة سورية وجامعة دمشق وكلية الفنون الجميلة الثانية في السويداء.

مسيرته

والفنان التشكيلي الراحل فؤاد أبو عساف من مواليد قرية سليم في السويداء سنة 1966 تخرج من قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1991 وعمل أستاذاً لقسم النحت في معهد الفنون التطبيقية والتشكيلية وفي كلية الفنون الجميلة وشارك في العديد من المعارض والملتقيات الفنية داخل وخارج سورية وخرّج الكثير من الطلاب والمتدربين من مشغله.

وقد اشتهر بأعماله ومنحوتاته المتميزة المصنوعة من البازلت، والتي خلّد فيها قصص المكان، وروى عبرها قضايا تسكنه، ويُعدُّ من أغزر النحاتين إنتاجاً. وعرف بثقافته الواسعة والتزامه الكبير بقضايا مجتمعه وإيمانه الراسخ بالمسؤولية المجتمعية الكبيرة للفن، وتم اقتناء أعماله في عدد من دول العالم. كما أنجز عشرات المنحوتات التي ذاع صيتها، أهمها: «المرأة السورية».

مشغله متحف ومقصد عام

وذكر رئيس فرع الاتحاد حمد عزام: «أنه تم إطلاق لقب الأيقونة السورية على الفنان الراحل لتفرد أسلوبه وغنى أعماله وموضوعاته وتنوع خاماته وأهمها البازلت، وأضفى بصمة متفردة في الفن السوري تاركاً أكثر من خمسة آلاف عمل بمقاسات مختلفة منها كبيرة وضخمة أوزانها عشرات الأطنان فضلاً عن مشغله الذي كان بمنزلة متحف دائم ومقصد لأصحاب الفكر والأدب والفنانين من داخل سورية وخارجها للاطلاع على روائع أعماله.

وكشف عزام أن: «أعمال النحات الراحل انتشرت في الكثير من دول العالم والعديد من مؤسسات ووزارات الدولة، مزينة العديد من الشوارع والحدائق والأماكن العامة ومنها نصب الشهيد الطالب الموجود في كلية الحقوق بجامعة دمشق بارتفاع أكثر من ستة أمتار الذي أزاح الستار عنه السيد الرئيس بشار الأسد عام 2013، إضافة إلى أعمال أخرى كمنحوتة العشاء الأخير وشجرة التفاح ومذكرات طفل سوري (دون كيشوت) وسيزيف السوري وحبة القمح وليدا والأوزة وروزا وحجر الصوان، وكذلك منحوتة المرأة السورية التي تزين إحدى ساحات المحافظة فضلاً عن مساهمته بتأسيس عدد من الملتقيات النحتية الدولية في السويداء في تل جلجلة وموقع سيع.

أسلوب حياة

عند أبو عساف التشكيل يكون تحت مبدأ حسِّي حركي في أي منحوتة يشتغلها، يأخذنا في إحساس ـ موضوع، بغاية الجِدَّة، كأنَّه ينحتُ (فكرة) ليتبين مدى قدرتنا على التمييز بين الفعل الفلسفي والميتا فلسفة. النحت عند فؤاد لا يمكن أن يتملَّص من بثِّ الجمال في المكان لاكتشاف قيم إنسانية، وأنَّ أفعال الدولة الاستبدادية تقوم على سحق المكان بغية خرابه، أو تخريبه.

النحتُ، أو العملُ النحتي، عند أبو عساف هو صورة ذاتُ قوَّة خطابية، هو سياسة جمالية، حركة جمالية تُغيِّر معنى (المكان) الذي تنتصبُ فيه، ومعنى (الزمان).

وهو صاحب مقولة، «مازلت أسعى وراء الجميل ولكني لا أدركه»، صنع في مسيرة حياته من حجار البازلت منحوتات شغفه ورؤياه المفعمة بالحبّ والجمال.

أعماله

من الحجر الصلب القاسي، الحجر العنيف، وكأنَّه يرسم خرائط فكرية، ومواقف سياسية من ضغط المستبد على (المكان) الذي أحالته العشرية الجهنمية، أو الزلزلة السورية إلى خراب، إلى قباحة، إلى حقل استثمار لمفهوم مصطلح «التدمير الخلاَّق»!! النحت عند فؤاد أبو عساف فعل بناء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن