في تموز الماضي نشرَت «التايمز» البريطانية مقالاً للكاتب «روجر بويز» عن حرب المياهِ في الشرق الأوسط، استشهدَ فيها بالعبارة الشهيرة للأديب مارك توين «الويسكي للشرب والمياه للقتال». دعونَا من «الويسكي» والعياذ بالله قبل أن يعاجلنا من يظنون بأن اللـه لم يهدِ سواهم بفتوى تحريمِ ذكرهِ في المقال، ولنركِّز في قضيةِ المياه والقتال.
من الجميل أن تقرأَ خبراً عن استضافةِ الإمارات العربية المتحدة اجتماعاً عربياً يتعلق بالأمنِ المائي العربي، ليس فقط بسبب رؤية العرب يستشعرون الأخطار المحدقة بهم، بل لأن حرب المياه التي قيلَ عنها الكثير بوصفها الحرب الأهم القادمة بعدَ أن يضعَ ربيع الدم العربي أوزاره.
بالوقت ذاته من الجميلِ أن تقرأ عن حضورٍ رسمي سوري لهذا المؤتمر، ليسَ فقط للإيمان بأن الطوق المفروض على المشاركات الرسمية السورية في المحافلِ العربية والدولية بدأ ينكسر، بل لأن سورية كما بعض الدول العربية تُعَد من الدول الهامة فيما يتعلق بموضوع المياه، نظراً لامتلاكها كل مقومات الاستثمار المائي من ينابيع وسدود وأنهار، وبالوقت ذاته بذور الصراع معها وعليها فيما يتعلق بقضيةِ المياه تحديداً من دول المنبع.
لكن بالوقت ذاته عندما تقرأ تصريحات تتعلق بدور دول المنبع بتضييق الخناق على الدول العربية فيما يتعلق بموضوع المياه، ستبدأ بلعن الإمبريالية والماسونية وصولاً إلى عامل المياه في هذه الدول الذي يقوم برفع وتنزيل غطاء البوابات على السدود، لكنك بالوقت ذاته ستتساءل وماذا عن فشلنا المائي؟
لندع الحديث عن الدول التي تتآمر علينا جانباً لأنه أمر بديهي أن يكون هناك من يتآمر عليك طالما أنك تعي أهميتك، لكن ما الذي فعلناه من أجل أمننا المائي؟ أذكر أن مدينة حلب مع مطلع الألفية الثانية كانت تعاني من أزمة مياه خانقة، لكن مع وصول خط الجر الجديد تلاشت أزمة المياه بشكلٍ شبه كامل قبل الحرب اللعينة، الفكرة بأننا إن أردنا أن نعمل فإننا نستطيع أن ننجز وإن لم نستطع فلنجرب طرح مشاريع للاستثمار كهذه. من منا لم يسمع يوماً عن جر مياه الساحل باتجاه العاصمة دمشق؟ ليسَ السؤال أين بات هذا المشروع؟ السؤال كم كان عمرك عندما سمعت عنه وكم عمرك الآن؟
هل قدمت الورقة السورية للمؤتمر معلومات عن الينابيع السورية التي تنبع وتصب في الداخل السوري من دون أفقٍ لاستثمارها، في الوقت الذي تنام فيهِ قرى ومدن بالكامل عطشى؟ كنا بغيابِ إستراتيجية حماية المياه الجوفية منَ الحفر الجائر للآبار، أصبحنا إضافة إليها نعاني من مشكلة تلوث هذه المياه الجوفية؟!
في الخلاصة: قبل التفكير بالأمن المائي العربي والعالمي دعونا ننطلق من التفكير بأمننا المائي، دعكم من الخطط والدراسات فالمواطن يريد أن يرى إنجازات على الأرض لا صهاريج تبيع المياه حسب هواها، إلا إن كان هناك من تعجبه عبارة «ليشربوا الويسكي»! عندها لا نحتاج لدراسة جدوى اقتصادية بل فتوى تبيح شربه، أليست المحظورات مباحة عند الضرورات؟!