ثقافة وفن

لابد أن يأخذ النقد سلطته بعيداً عن المحسوبيات … الشاعر أكرم قنبس لـ«الوطن»: مسيرة الشعر العربي تزخر بالتجارب

| إسماعيل مروة

شاعر متمكن ومكثر في دواوينه وقصائده، حاضر في المنابر واللغة، الشعر روحه والتدريس مهنته، قاوم كل رياح عاتيه ليحافظ على شعريته، لا يأبه إلا للشعر ويظن أن الزمن سينصف الشعر والشعراء، وفي زيارته لدمشق كان لنا هذه الوقفة مع الشاعر أكرم جميل قنبس.

• مضى أكثر من ثلاثة أو أربعة عُقودٍ على بداية نَشرك الشِّعر، فماذا قدّم لك الشِّعرُ؟

مُنذ أكثر من أربعة عُقود كانت بداياتي الشِّعريّة فيما بعد الإرهاصات الأولى، وكانت انطلاقتها – بالتّأكيد- من خلال ثَناء الشّاعر أحمد الجندي – رحمه الله- على بدايات قصائدي في برنامجه الأسبوعي (أقلام واعدة)، حيث وجد موهبةً أصيلة، وعاطفة وطنيّة هَنَّأَني عليها، ومنذ ذلك اليوم أصبح الشِّعر قِمّة من قِمم المجد الّتي دَأَبْتُ للوصول إليها قصيدةً بعد قصيدة، وكان من فضائل الشِّعر على بداياتي أنه قَدَّمَني شاعِراً يفخر به أساتذتُه في جامعة دمشق- كما قال عنه الدّكتور أسعد علي وقتذاك في مقدّمةٍ كتبها لديواني الشِّعري «لَهيبُ الانتماء» فقال: صاحِبُ «لَهيب الانتماء» صوتٌ سَمِعتُه في جامعة دمشق يومَ كان بينَ طُلّابٍ أَصِفُهم بالخِصب، وأقول: إنهم مِن أخصب طُلّاب الدُّنيا،… ولا يَدّعي هذا الحُكم أن كثيراً من أرضنا بائِرٌ،… وبين «أُنشودة المطر» و«انقِسامات الحَجَر» نَسَبُ الهَمِّ والهِمّة، الأولى إلى «بدر شاكر السّياب» والثّانية إلى «أكرم جميل قُنبس»، وهذه القصيدة الأَصيلة تحتاج من النّقاد مِثل العِناية التي مَنحوها «أنشودة المطر»؛ لأنّها تُمثّل صورة الطّباق من جهة الأساس، فكما يكون البدء من المطر في كلّ نشوء: كذلك يكون البدء من الحجر في كل إنشاء. (مقدّمة ديوان «لهيب الانتماء» الصفحة 10/ 1988).

• قَدَّمْتَ مجموعة من الدّواوين الشِّعريّة، وكلّها تعتمد على نظام شعر التفعيلة والوزن والأبحر الشِّعرية، ولك تجربة في الشعر الحديث مثل ديوان «صلاة على روح امرأة»، فأين تجد نفسك أكثر؟ في أي نوعٍ من هذين النّوعين من الشّعر؟

لقد كانت تجربتي الشِّعريّة وفق منظومة الشِّعر العربيّ الأصيل المُلتزم بالوزن والقافية، سواء أكان شِعراً عمودياً أم شِعر تفعيلة، وفي كلا النّموذجين أجد نفسي أخوض غِمار القصيدة إبداعاً بلا قرزمة أو قُصور أو ركاكة أو ضعف.

وقد نشرت في أواخر الثّمانينيات ديواني «اللّهب المَجْدول» 1988، كما نشرتُ ديوان «صلاة على روح امرأة» 1992 بالتّعاون مع اتّحاد الكُتّاب العرب، ثم ديوان «إليكِ يا حَبيبتي» 1993 ضمن منشورات اتّحاد الكُتّاب العرب، ثم صدر ديواني «لهيب الانتماء»1996، وهو يضمّ قصائد عموديّة وتفعيلة معاً، منها قصيدة «انقسامات الحجر» الّتي أشار إلى أهميّتها الدكتور «أسعد علي» وبأنه مُقاربة لقصيدة «أنشودة المطر».

• هُناك مَن يرى اليوم أن الشِّعر القائم على الوزن والقافية لا يتجاوز أن يكون نَظماً، فهل فَقَدَ الشِّعر التّقليديّ اليوم روحه وقُدرته على التّعبير عن قضايا المجتمع؟

إن مَن يقول: «إنّ الشّعر القائم على الوزن والقافية لا يتجاوز أن يكون نظماً» لا يمتلك أيّ معرفة بأسرار الشِّعر الأصيل ومقوّماته، كما أنه لا يقدّم نقداً موضوعياً، فمسيرة الشِّعر العربي قديماً وحديثاً تزخر بتجارب شعريّة متعددة، ولا يمكن الحُكم عليها جميعها بمنظور واحد، فهناك تجارب لا يمكننا إدراجها تحت منظومة أو مظلّة الشّعر المُبدع؛ لأنها تُسيء إلى الشّعر أكثر ممّا تُضيف إليه؛ وذلك من خلال الأسلوب واللّغة والصّورة الشّعريّة الحديثة ومُحاكاتها مسيرة الحياة الإنسانية التي تَعبر من خلالها إلى قلب وروح المُتَلقّي فتأسرهما أسراً طوعيّاً، حتّى ليكاد بعضهم أن ينحني انحناءة تقدير وثناء إلى بعض النَصوص الشِّعريّة التي لا يُمكنك إلا أن تُعجب بها، وتتغنّى، بل تكون راوية لها أيضاً- كما يفعل الكثيرون في بعض قصائدي، وفي نصوصي الشّعريّة التي أنشرها تحت عنوان: «تراتيل قلب» والتي في كل صباح تصل إلى أكثر من خمسمئة شخصيّة لها مكانتها الأدبية والعلميّة والإبداعيّة والثقافيّة على امتداد خريطة عالمنا الإلكتروني اليوم،… كما أن على القصيدة الشّعريّة التّفاعل مع حياة المجتمع، وأن تكون لساناً ناطقاً بآماله وآلامه، وأن تكون من القصائد الوطنيّة والإنسانية الخالدة على لسان النّاس والدهر،… وكم أودّ هُنا أن أُثني على أهمية المُسابقة الشّعريّة التي أقامتها وزارة التّربية بالتّعاون مع اتّحاد الكُتّاب العرب بعنوان «مُسابقة الأُغنية الوطنيّة السّوريّة» لِما لها مِن دَورٍ في تعزيز مفهوم الرّوح الوطنيّة وحُبّ الوطن، وكان لي نصيب الفوز بإحدى جوائزها، مّا يبعث على الفخر والاعتزاز، وأداء رسالة الشّعر الوطنيّة والقوميّة بروح عالية تتجلّى فيها القصيدة إبداعاً ووطناً.

• نرى اليوم أن صوت الشِّعر صار خافتاً، أهو لقلّة الشُّعراء، أم لقلّة الإبداع؟ أم لِما يقوله بعض الدّارِسين- وأنا منهم- إن الشِّعر العظيم يحتاج بيئة عظيمة.

لن أُخالِفَكم الرّأي في أن صوت الشّعر أصبح خافِتاً- إلى حدّ ما- ولا أَرُدّ ذلك إلى قلّة مَنْ يكتبون الشِّعر، بل إلى نُدرة الإبداع بشكل عامٍ، ليس في مجال الشّعر وحده فقط، وإنّني من خلال مُشاركاتي ومُتابعاتي الشّعريّة المتعدّدة ليأخذني الذّهول الكبير عندما أقف أمام نصوص نُشرِت على أنها شِعر، وليس فيها من الشِّعر شيء، سواء أكان ذلك من حيث التّجربة والموهبة والموضوع أم من حيث بناء الصّورة الشّعريّة الفنيّة الّتي تتوق إليها محافل الإبداع،… وكم آمل أن يأخذ النّقد سُلطته الحقيقيّة لكي يوضّح غَثّ الشِّعر مِنْ سَمينه بعيداً عن المحسوبيّات والمُحاباة والمصالح الشّخصيّة وغيرها؛ للحدّ من تجارب لا قيمة لها في مسيرة الشّعر العربيّ الحقيقي النّابض بكل مقاييس الجمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن