قضايا وآراء

خيارات واشنطن في مواجهة الصين وروسيا

| تحسين الحلبي

في 14 أيلول الجاري نشر رئيس تحرير المجلة الإلكترونية الصينية «غلوبال تايمز» هو تشيجين الصادرة باللغة الإنكليزية، تحليلاً موجزاً بعنوان: «لماذا تخاف الولايات المتحدة من شن حرب على الصين»؟ استهله بالاستشهاد بما أعلنه في 13 أيلول الجاري نفسه الجنرال الأميركي نائب رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية جون هايتين حين قال: «إن هدفنا يجب ألا يكون التوجه نحو حرب ضد الصين ولا نحو حرب ضد روسيا لأننا سنشهد عند ذلك يوماً مرعباً لهذا العالم ولدولنا» ثم استشهد تشيجين بما أعلنه الأدميرال المتقاعد والقائد السابق للقيادة العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ هاري هاريس حين قال: «من المهم جداً أن نقوم بكل ما من شأنه تجنب التصعيد والحرب المفتوحة على الصين» ومع ذلك ظهرت دعوات أطلقها عدد من القادة العسكريين ومنهم رئيس أركان الجيوش الأميركية قبل أيام حين أعلن أن «الصين في أولوية جدول العمل الإستراتيجي كهدف للولايات المتحدة». وفي الاتجاه نفسه جاء الإعلان الاستعراضي الاستفزازي لحلف دول آوكوس الثلاث أميركا وبريطانيا وأستراليا وزيادة تسليح استراليا بغواصات أميركية لكي يشكل هذا قاعدة لحشد واستيعاب المزيد من حلفاء واشنطن في آسيا والمحيط الهادئ ضد الصين.
ويستنتج تشيجين من طبيعة هذا الوضع الراهن نتيجة واحدة حاسمة هي أن «الصين ليس لها البتة أي طريق للتراجع عن سياستها وستتمسك بهذا المبدأ للمحافظة على وجودها ومستقبلها».
ويبدو أن الهدف الأميركي المقصود من كل هذه التهديدات ليس حرباً مباشرة قد تؤدي إلى حرب دمار شامل نووي بل القيام بتحريض عدد من الدول ضد الصين وإيهام هذه الدول بأن الاتجاه السائد في السياسة الأميركية الآن هو «الحرب على الصين» لكي تمنع واشنطن بهذه الطريقة دولاً عديدة من التعاون مع دولة مثل الصين بحجة أن واشنطن ستشن حرباً عليها بكل ما ستتطلبه هذه الحرب من حصار وتدمير اقتصادي وعسكري لها ولكل من يتحالف أو يتعاون معها.
الولايات المتحدة بدأت تشهد في نهاية العقدين الماضيين تراجعاً في قدراتها على فرض الهيمنة الاقتصادية أمام التطور المتصاعد والمتسارع للصين وكذلك تراجع موازٍ في قدرتها العسكرية على فرض سياساتها في مناطق نفوذها في العالم ولذلك تلجأ في أغلب الاحتمالات إلى اتباع سياسة التهديد وحافة الهاوية مع الصين وروسيا لكي تحاصر وتوقف استمرار زيادة الدور الصيني والروسي في العالم على حساب دورها ومصالحها الامبريالية التي اعتادت تحقيقها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثين سنة، فالإدارة الأميركية تجد في سياسة التهديد والتوتير المتصاعد على مستوى العالم أداة للمحافظة على ما بقي لها في هذه الأوقات الصعبة من مصالح ستفقد العديد منها في مختلف مناطق العالم ولأنها تدرك في الوقت نفسه أنها لم تعد تتمكن من توسيع وزيادة هذه المصالح أمام ما تشكله الصين من تحديات لم يعد في مقدورها التغلب عليها بضربة واحدة وسريعة، وهذا ما يفرض على واشنطن أحد خيارين: إما التكيف مع التطورات الجديدة العالمية التي فرضتها الصين وروسيا بهدف المحافظة على ما بقي لها من مصالح والاتفاق معهما ومع بقية الدول الكبرى على وضع نظام عالمي جديد يحفظ السلم العالمي وينهي الهيمنة الأميركية وإما اللجوء إلى سياسة التهديد وتعزيزها باستخدام الوكلاء لنقل الحرب الأميركية إلى حدود الصين البحرية والبرية وفي داخلها بموازاة إطلاق التهديدات الأميركية المباشرة ضد الصين وحلفائها. وهنا تلعب واشنطن بورقة تحريض تايوان على الصين وتحريض اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا من الخارج أيضاً وتحريض الدول الإسلامية الصديقة والحليفة لواشنطن على الصين لتوجيه حرب داخلية بحجة ما يسمى «اضطهاد الحكومة الصينية للمسلمين في البلاد».
ومن الواضح أن واشنطن ستفضل استخدام كل هذه الأوراق ضد الصين وحلفائها معاً. أما حول احتمال انتقال هذه التهديدات الأميركية إلى درجة الاستعداد لحرب نووية ضد الصين وروسيا فهذه مسألة تدرك الإدارة الأميركية ومعها دول أوروبا ومعظم دول العالم بما في ذلك الصين نفسها وروسيا أنها مجرد فزاعة لإرهاب العالم وليس الصين بالذات، وذلك لهدف واضح هو فرض تعاون دول العالم مع واشنطن وحشدها ضد الصين.
وفي تطبيق هذه السياسة الأميركية العدوانية الصارخة تريد واشنطن إبقاء كل دولة منافسة لها ومناهضة لهيمنتها في إطار الاتهام الدائم وتحت ضغط التهديد كسلاح لم تتخل عنه منذ الحرب الباردة وهذا ما لن تنجح في تحقيقه بعد أن أصبح سلاحاً غير مجد مع الصين وروسيا ومع معظم دول العالم والتطورات التي يشهدها على الرغم من كل السياسات العدوانية الأميركية وتحالفاتها التي أصابها التفتت والانقسام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن