قضايا وآراء

نحت أميركي في صوان روسي صيني

| هديل علي

من آسيا الوسطى إلى مضيق تايوان، تحاول واشنطن جاهدة دفع الأوضاع إلى درجة الغليان، وخاصة بعد انسحابها من أفغانستان، ورفض القيادة العسكرية لجمهوريات آسيا الوسطى إقامة قواعد عسكرية هناك، بناء على رفض دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي ذلك، وأيضاً في المحيط الهادئ، حيث يعزز التحالف الأمني الجديد للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا المسمى «أكوس» بيئة التصادم والمواجهة مع بكين، الهدف الأميركي واضح من جهة زعزعة الأمن والاستقرار في آسيا ومضيق تايوان، ضد العدوين الرئيسين لها روسيا والصين، وخاصة أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيخلق فراغاً عسكرياً، وعلى كل من موسكو وبكين إيجاد توازن له، وبالتالي أعباء إضافية، لذلك كان التفعيل النشيط لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعي» و«منظمة شنغهاي للتعاون» بهدف تحقيق الاستقرار.
التركيز الأميركي على دعم تايوان لإزعاج الصين والسيطرة على بحر الصين الجنوبي بحجة حرية الملاحة، يحدد بلا شك ملامح مستقبل المنطقة، وخاصة أن واشنطن لا تكف عن استفزاز بكين من خلال عبور مدمراتها لمضيق تايوان، في إشارة دعم لتايوان، ليكون الرد الصيني من خلال إرسال أسراب الطائرات أو عبر المناورات العسكرية، وآخرها قبل أسبوع عندما قالت وزارة الدفاع التايوانية: «إنها أرسلت مقاتلات لتحذير تسع عشرة طائرة صينية اخترقت مجالها للدفاع الجوي»، في أحدث تصاعد للتوتر على جانبي مضيق تايوان، وأضافت الوزارة إن بين الطائرات الصينية 12 مقاتلة من طراز جيه-16 وقاذفتي قنابل بقدرات نووية من طراز إتش-6.
التحالفات التي تنشئها واشنطن كسياسة تنتهجها للوقوف في وجه المارد الصيني لن تكون أفضل من سابقتها، لأن الولايات المتحدة الأميركية ذات عقيدة سياسية عنصرية حتى تجاه الحلفاء باعتبارهم أتباعاً، والدليل ما حصل مع فرنسا التي تعتبر الشريك الأوروبي الأوثق لأميركا التي رمت بها خارج حلف أكوس، وسلبت منها صفقة الغواصات مع «كانبيرا» بعشرات مليارات الدولارات، غير آبهة إلا بمصالحها وأجنداتها، فكانت ردة الفعل الفرنسية الإعلان عن دراسة حقيقية للانسحاب من حلف شمال الأطلسي بعد حركة سحب السفراء، التي جعلت واشنطن تبدي بعض الاهتمام لنتائج غدرها بـ«أتباعها»، والشواهد كثيرة على أن التحالف مع أميركا خطير وصوره محفورة بالذاكرة من سايغون إلى كابول.
إذاً واشنطن تحاول إنهاء حروب طال أمدها، وتكلفها مليارات الدولارات، لتعيد تموضعها العالمي على أساس جديد من المصالح والأجندات، فوجهت مواردها لإصلاح الداخل وتعزيز وحدته، مقابل توظيف قوى محلية من مناطق انسحابها لخدمة إستراتيجيتها أو إنشاء تحالفات جيوسياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن