ما رأيكم بزيارةٍ سياحية إلى قلعةِ حلب؟ لسنا بحاجةٍ للكثير من الشرح عن القلعةِ ورمزيتها، باعتبارها أحد أكبر القلاع عبر العالم الموجودة وسط مدينةٍ مأهولة. في القلعة هناكَ بابٌ اسمهُ باب «الحيَّات»، هذا الباب الذي يعلوهُ نجفة فيها منحوتة ثعبانان يشكلان المدخل الرئيس للقلعة.
بعيداً عن رمزيةِ معنى وجودِ الأفعى فوق الباب والذي تتضارب التفسيرات حوله، فهناك من يراها رمز قديم يعود للقرن الثالث قبل الميلاد يتعلق بخلود الأفعى كأحد الزواحف المعمرة، وهناك من يراها رمزاً للقوة لكون القوات الغازية عليها الدخول من بين الثعابين إن أرادت احتلال هذهِ القلعة، فإن كثر يخطؤون في لفظ اسم الباب فيقولونَ عنهُ باب الحيَات، بالتاءِ المفتوحة لكن مع حذف الشدة من فوق الياء، ليصبح المعنى مختلفاً تماماً.
ليست الشدّة هي الوحيدة القادرة على قلب المعاني، فاللغة العربية تمتاز بالكثير من الألفاظ التي يبدل معناها تشكيلٌ هنا أو تنوينٌ هناك، نقطة هنا أو همزة هناك لتصبح النتائج بعدها كارثية على مبدأ القصة التاريخية الشهيرة «أحصِ الرجالَ من حولك».
منطقياً جميعنا نخطئ ببعض التفاصيل اللغوية وهذا الأمر مقبول ضمن السياق الطبيعي، لكننا ببساطة دخلنا مرحلةَ الكوارثِ في اللغة، إذ إن جولة بسيطة في المواقِع الإخبارية الناطقة بالعربية ستجعلك شاهد العجَب، بالإضافة إلى ذلك فإنك لن تجد النقاط ولا فواصل ولا تقطيع للنصوص، هذا من دون أن نتجاهل سمومَ اللغة المحكية التي تدخل بدواعي النزعة «الفينيئية»، لدرجةٍ ستشعر فيها بأن مشاكل التنوين والهمزات باتت خلفنا ومن يتحدث بها «دقة قديمة».
كل دول العالم تعي بأن هناك أزمة لغة، فاللغة الفرنسية مثلاً تعاني أزمة اختصارات ابتكرها جيل الشباب لدرجة باتت غير مفهومة للأكبر سناً، مع ذلك تتمسك الدولة بحماية اللغة عبر الكثير من الأساليب، فمثلاً في امتحانات الدراسة لنيل إجازة في الحقوق وعند قيام الطالب بمعالجة النص المطلوب فإنه لا يُحاسب فقط على المعلومة بل على التراكيب اللغوية والأخطاء الإملائية والمبرر هنا منطقي.
كمحامٍ ستقف أمام السلطة القضائية التي هي أعلى سلطة في البلاد، لا يمكنك أن تقف وأنت لا تعرف صياغة الجمل والعبارات!
قد يسأل البعض وما لزوم هذا الموضوع الآن؟ السبب بسيط حيث إن هناك من يفكر بأن يجعل الساعات المقررة في المدارس السورية للمواد الجديدة كالتربية المهنية أو الأخلاق هي من ملاك اللغة العربية؟!
دعوا ساعات اللغة العربية بحالها، بل عليكم العمل على زيادتها أما المواد الجديدة فقد نجد لها مكاناً كبديلٍ لمواد لم يعد لها لزوم تبدأ بالتربية الدينية.
في الخلاصة: هو شبهُ ناقوس خطر لمن لم يعي بعد ما تعانيه اللغة من أزمة، إيَّاكم واللغة، فإن كان هناك اليوم من يعتبر بأن التنوين وعلامات الترقيم هي من مورثات الماضي البغيض فإننا سنصل إلى يوم سيظن فيهِ أحفادنا بأن بيت الشعر القائل:
ولقد غدوتُ إلى الحانوتِ يتبعني شاوٍ مِشَلٌ شلولٌ شلشلٌ شَوِلُ.
هو معادلة رياضية من الدرجة الثالثة بأربع مجاهيل.