ثقافة وفن

جولة أثرية في مدينة القدس تكشف هويتها وتاريخها … وزير التربية لـ«الوطن»: هذه الندوة تظهر تاريخ المدينة ودور العرب والعروبة فيها

أقامت مؤسسة القدس الدولية واللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق ندوة يوم القدس بعنوان «جولة أثرية في مدينة القدس» قدمها وزير التربية الدكتور دارم الطباع وحاوره فيها الدكتور عمار النهار أستاذ التاريخ العربي والإسلامي وذلك في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.

وبحضور كل من السفير الفلسطيني سمير الرفاعي والسفير اليمني عبد اللـه صبري، والمستشارة الخاصة للرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان وحضور سياسي وشعبي وإعلامي ألقى الطباع محاضرة هي بمثابة جولة حقيقية في مدينة القدس والتعريف بإرثها الثقافي والحضاري والتعريف بخصوصيتها وتسميتها وعراقتها وعادات شعبها الذي حاول على طول السنوات الماضية المحافظة على إرثها وهيكلتها وشكلها القائم منذ القدم إلى الآن.

تجسيد الحقيقة

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» كشف وزير التربية الدكتور دارم طباع: « إن هذه الندوات مهمة جداً لأن هناك تزويراً وتزييفاً لواقع فلسطين والقدس، تزييف كبير يقوم به الكيان الصهيوني، ومن الأهمية أن نوضح أهمية تاريخ مدينة القدس ودور العرب ودور العروبة في الحفاظ على هذه المدينة في جميع المحافل، واليوم من خلال هذه الجولة الأثرية في مدينة القدس عرفنا على خفاياها ومعالمها وتاريخها وأهميتها ودورها الديني والحضاري في العالم وبيّنا لماذا يتنازع عليها العالم كله ولماذا قامت الحروب الصليبية بحجة القدس، كل هذه الأسئلة يحاول الكيان الصهيوني أن يغطي عليها من خلال تغيير تاريخ المنطقة بكامله».

وأضاف طباع: «من هنا تأتي أهمية هذه المحاضرات كونها تجسد الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع وخصوصاً العرب عن هذه المدينة والتي للأسف بعض العرب الآن يتهاونون كثيراً في موضوع القدس على الرغم من أنها مدينة مهمة جداً دينياً وسياسياً وأيضاً إنسانياً».

هوية القدس

بينما أوضح السفير الفلسطيني سمير الرفاعي: «أنه من المهم جداً التأكيد على عروبة القدس والتأكيد على هوية القدس خاصة أن هناك محاولات جادة ومستميتة من قبل الاحتلال لتهويد المدينة وتغيير معالمها وأسماء الشوارع فيها وتغيير كل شيء في مدينة القدس لكي تبدو كمدينة صهيونية، إلا أن القدس مدينة إسلامية مسيحية عربية، وتأتي أهمية الندوات أنها تؤكد على ذلك، والدكتور دارم طباع قدم جولة تاريخية وأثرية في مدينة القدس وهي محاضرة مهمة جداً في هذا السياق».

مقاربة فكرية ثقافية

وأكد الدكتور خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس الدولية-سورية: «أن التطرق للقدس في ندوات مهم جداً لأنها تقارب القضية الفلسطينية مقاربة فكرية ثقافية تاريخية تامة، وكما نعلم هناك منهجية إسرائيلية في تهويد الأرض وتهويد المكان وتهويد السكان وتهويد التاريخ، نحن أمام عملية تجريف للتاريخ الفلسطيني وللثقافة الفلسطينية، لذلك لا بد من الرد ودحض كل الادعاءات من خلال الندوات والمحاضرات التي تؤكد على الهوية الحضارية لهذه الأرض وهوية الشعب الفلسطيني والثقافة الفلسطينية وبالتالي تكذيب كل الأقاويل التي يخلقها الكيان الصهيوني بهدف تهويد المكان والتاريخ».

وأضاف المفتاح: «إن الدكتور دارم طباع هو بالإضافة إلى كونه وزيراً للتربية في سورية هو أيضاً باحث ومتابع ولديه مؤلفات تتعلق بفلسطين وبتاريخها وهويتها وثقافتها، وبالتالي فإن اليوم كان الخطاب واضحاً ومحدداً ويكذب كل هذه الادعاءات التي يطلقها الصهاينة، ويبين أن هذه الأرض عربية بامتياز وهي جزء من الأمة ومن هذه المنطقة».

تعزيز حقوقنا السياسية

ومن جهتها قالت المستشارة الخاصة للرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان: «إن هذه الندوات مهمة جداً لإطلاع الشعب ولإطلاع الناشئة خصوصاً على أهمية التراث الفلسطيني وأهمية المقدسات الفلسطينية لأننا نحن مقصرون بحق ممتلكاتنا الثقافية والحضارية، ويجب أن نسلط الضوء عليها أكثر مما نفعل لأن العدو الصهيوني يحاول أن يسجل حتى طعامنا باسمه ويحاول أن يهوّد القدس وهو لا يهتم بالهوية وبالأرض وبالحضارة والثقافة والتاريخ لذلك يجب علينا أن نحول أنظارنا إلى الاهتمام نحن بها، وليس فقط أن نتحدث في السياسة لأن الثقافة والتراث مهمان جداً من أجل تعزيز حقوقنا السياسية في أرضنا ولذلك أتيت لأحضر محاضرة الدكتور دارم طباع والدكتور عمار النهار وأعتقد أنه يجب علينا أن نعمل أكثر في هذا المجال سواء بالنسبة لسورية أم بالنسبة لفلسطين والوطن العربي برمته».

وأفادت شعبان: «إن هذه الحرب الشعواء على سورية هدفت وقبل كل شيء إلى تدمير الهوية السورية وتدمير العيش المشترك وتدمير الحرف اليدوية، لذلك هم يستهدفون كل مجالات الحياة عندنا ولا يجوز أن نبقى مقتصرين بكلامنا ومحاضراتنا وتوعيتنا لشعوبنا على الموضوع السياسي بالعكس فإن هذه الأمور هي التي توصل إلى الموقف السياسي السليم والصحيح والمؤيد للأوطان».

مدينة مقدسة لجميع المؤمنين

وفي جولته هذه كشف وزير التربية الدكتور دارم طباع عن محاور كثيرة إذ جال بنا في مدينة القدس مبيناً تاريخها وثقافتها وإرثها وحضارتها والبداية كانت من التعريف بها كمدينة حيث قال: «القدس مدينة عربية قديمة، وأور سالم هو أول اسم ثابت لمدينة القدس اشتهرت به قبل خمسة آلاف عام، يعني أنه أسسها سالم القائد العربي الكنعاني الذي أمر ببنائها، ثم ما لبثت تلك المدينة أن أخذت اسم يبوس نسبة إلى إيبوسيون المتفرعين من الكنعانيين، وقد بنوا قلعتها والتي تعني بالكنعانية «مرتفع»، ثم سماها العرب اليبوسيون بيت المقدس أو أرشليم أي «مدينة السلام». ورد اسم القدس بالعهدة العمرية وفي العديد من الرسائل الإسلامية من القرون الوسطى «إيلياء» أو «إيليا» وهو اختصاراً لاسم «كولونيا إيبيا كابيتولينا» (colonia Aelia capitolina)، والذي أطلقته على المدينة السلطات الإمبراطورية الرومانية سنة 131 للميلاد، وهي عاصمة دولة فلسطين ومدينة مقدسة لجميع المؤمنين جعلت في طياتها تاريخ الديانتين الإسلام والمسيحية حيث احتوت المسجد الأقصى ثالث أقدس مسجد عند المسلمين وأولى القبلتين قبل الصلاة باتجاه الكعبة، وعرج منها الرسول محمد صلى اللـه عليه وسلم إلى السماء، وشكلت بالنسبة للمسيحية أصولها التاريخية فهي مكان كنيسة القيامة والمدينة التي شهدت صلب المسيح وقيامته وصعوده إلى السماء».

هي وسط الدنيا

وأوضح طباع أن المدينة القديمة تحاكي أساطير عدة حول تاريخ قدسيتها ومكانتها قائلاً: «أعتقد أن قدسيتها أتت من صخرتها المقدسة التي شهدت مرور جميع الأنبياء وكان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس، وأنها من صخور الجنة، وعليها المحضر ومنها المنشر، وعليها موضع قدم النبي محمد، وعليها أثر أصابع الملائكة، وهي عرش اللـه الأدنى، ومن تحتها بسطت الأرض، وهي وسط الدنيا، وأوسط الأرض كلها، لكن الثابت فيها ما أورده لوسيان السوري في كتابه الآلهة السورية ونشره عام 100 ميلادية أنه قد سمع بالمسيحية واعتبرها كعقيدة شرقية عادية. ولقد تعلم بشدة الفلسفة المدهشة للمسيحيين، التي قد عاشرها في فلسطين مع كهنتها ومؤلفيها، فقد أظهر بسرعة أنهم كانوا أطفالاً في يدي المسيح، وكان هو نبيهم، ورئيس تآخيهم الديني، وجامع لقاءاتهم، وكل شيء لهم، لقد شرح ووضح بعض كتبهم، وكتب العديد منها بنفسه، واعتبروه كإله، وجعلوه من يسن قوانينهم، وتبنوه كبطلهم، وفيما يتعلق بمعتقداتهم قال لوسيان: «إنهم لا يزالون يوقرون ذلك العظيم، الرجل الذي كان قد صلب في فلسطين لأنه جلب السر الجديد للعالم، لقد أقنعت المخلوقات المسكينة نفسها بأنها ستكون جميعها خالدة وسيعيشون للأبد، ولذلك كانوا يحتقرون الموت، وفي عدة حالات يمنحون أنفسهم له طوعاً، ثم أقنعهم أول واضع للقانون (أي المسيح) بأنهم جميعاً إخوة، أخذوا خطوة إنكار جميع الآلهة الإغريقية وعبدوا ذلك المصلوب، فيلسوفهم، وعاشوا حسب قوانينه، لذلك احتقروا جميع الأشياء من مخاطر ومعاناة، وتمسكوا بما هو جيد بشكل عام.

عادات وديانات

وتحدث طباع في محاضرته واصفاً أجواء المدينة والقداديس التي تقام خاصة في عيد الفصح وسبت النور العظيم بالقدس قائلاً: «يحضر البطريرك عند الساعة الثانية عشرة تماماً، ثم تبدأ الناس بدخول كنيسة القيامة فيدخل رجال الدين الروم الأرثوذكس إلى محلهم في كنيسة نصف الدنيا ثم رجال الدين للأقباط وطائفة الأقباط وحجاج الأقباط الذين يحضرون خصيصاً من مصر ويسمونهم «مقدس» ويتخذون المكان المخصص لهم حول القبر بشبابيك خاصة في الطابق الأرضي والأول ثم رجال الدين السريان وطائفة السريان وزوارهم من الخارج ويتخذون الأرمن وطائفة الأرمن وزوار الأرمن الغرباء ويتخذون أمكنتهم من الجهة اليسرى عندما تدخل إلى ساحة القبر المقدس ولهم شبابيك في الطابق الأول تطل على الغير المقدس وأخيراً الحبش «الإثيوبيين»، ولا تنسى في ذلك الزمن الألوف المؤلفة من الروس نساء ورجالاً داخل كنيسة القيامة حول القبر المقدس وفي نصف الدنيا وفي خلف نصف الدنيا وفي الأورقة والزوايا والدرج المؤدي إلى الجلجلة ثم الجلجلة ثم الدوار فتكون هذه الأماكن جميعها مليئة بالناس من الأثرياء الغرباء من يونان ومسكوب وغيرهم حيث يدفعون الأموال الباهظة للاحتفاظ بمقعد صغير أينما كان حول القبر أو الشرفات والبلكونات التي تطل على القبر المقدس وعلى كنيسة نصف الدنيا ويسمح لشباب طائفة الروم الأرثوذكس العرب الذين يكونون جاهزين بألبستهم التقليدية لمثل هذا العيد، وحاملين سنجق الشباب ومعهم لاعب والسيف والترس وعدد من الدربكات بالدخول، وعند نحو الواحدة من بعد الظهر يفيض النور وبأقل من لمح البصر ينتشر ضوء النور المقدس في كل مكان داخل القيامة، وفي هذه الساعة الرهيبة تسمع الزغاريت من السيدات الزائرات وخصوصاً الأقباط من مصر ثم التشوباشات من كل صور ويهرعون تدريجياً بالخروج من بوابة كنيسة القيامة بعدما تفتح حالاً عندما يفيض النور».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن