نشر الناشط في تحالف منظمات حقوق الإنسان في أميركا الشمالية ريك ستيرلينغ في 24 أيلول الجاري في المجلة الإلكترونية «أنتي وور» الأميركية تقريراً أعده هذا التحالف في شهر أيلول الجاري نفسه ويقع في 35 صفحة بعنوان: «عقوبات قاتلة»، يكشف فيه الطبيعة الوحشية لحرب العقوبات الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضد 39 دولة في العالم تشكل 70 بالمئة من مواطني الكرة الأرضية، أي ثلثي عدد سكان الكرة الأرضية، ومن بين هذه دول كبرى مثل الصين وروسيا ومن الدول العربية سورية وإيران والعراق وتونس والسودان والصومال واليمن ولبنان وليبيا وموريتانيا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وظهرت حرب العقوبات باتخاذ الولايات المتحدة 8000 إجراء وقرار ضد كل هذه الدول، وندد تحالف منظمات حقوق الإنسان في أميركا الشمالية بهذه العقوبات وإجراءاتها ووزع وثائق تقريره هذا على الأمم المتحدة ومكاتب الكونغرس الأميركي والمسؤولين عن ميثاق الأمم المتحدة، وقام مختصون من هذا التحالف بإجراء تحقيقات حول النتائج غير الإنسانية للعقوبات الأميركية على سورية وإيران وكوبا وفنزويلا، وتوصلوا إلى أن حرب العقوبات الأميركية لا تقل خطورتها ضد هذه الدول عن الغارات الجوية التي يشنها الجيش الأميركي ضد دول كثيرة ويقتل فيها ويجرح آلافاً من المواطنين ويلحق الضرر ببيوتهم وممتلكاتهم ومصادر عيشهم.
هذا في الحقيقة ما يدل على أن حرب العقوبات هذه تعد بشكل واضح، حرب استنزاف عدوانية ضد جميع مواطني هذه الدول، مثلما تعد حروبا خاسرة لن تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق منها أي مصالح أو أهداف ضد هذه الشعوب، لأن مجموع هذه الدول وفي مقدمها الصين وروسيا، سيشكل كتلة واحدة تتعامل مع بعضها البعض، وتتعاون في مختلف مرافق الاقتصاد والحياة وتتحول إلى جبهة مشتركة تمثل ثلثي البشرية ضد الولايات المتحدة ومن يؤيدها في هذا النوع من الحروب الوحشية ولن يدفع ثمنها في النهاية سوى دافع الضرائب الأميركي والدول الصغيرة التي تفرض عليها الولايات المتحدة المشاركة في فرض هذه العقوبات، وهذا ما يؤكده اضطرار الولايات المتحدة للسماح بفتح منافذ اقتصادية لسورية مقابل سماح سورية لمرور الكهرباء والغاز عبر أراضيها لإنقاذ لبنان من أزمة الكهرباء والوقود المستعصية منذ التزامها بالقرار الأميركي الذي أجبرها على الالتزام بمقاطعة سورية لإرضاء السياسة الأميركية على حساب شقيقتها وجارتها سورية، وهو نفسه ما أُجبرت على القيام به المملكة الأردنية التي سمحت لها واشنطن في النهاية بنقل الكهرباء إلى لبنان ومنح سورية فرصة الاستفادة منه.
لا شك أن التراجع الأميركي يعد هزيمة صارخة لسياسة حرب العقوبات الأميركية وفشلاً لكل أهدافها العدوانية والاقصائية لهذه الدولة أو تلك كما أن استمرار علاقات الدعم الصيني والروسي لسورية بمختلف أشكاله العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، يشكل أيضاً هزيمة للولايات المتحدة ولحلفائها من الدول الأوروبية، ويلاحظ الجميع أن أوروبا تنفذ دورها في حرب العقوبات الأميركية من دون أن تحقق أي مصلحة تذكر منها، لأن الولايات المتحدة لا تسمح عادة لأوروبا بزيادة أو توسيع مصالحها على حساب المصالح الأميركية، ومع ذلك تستسلم أوروبا لأميركا.
في النهاية سيؤدي هذا الوضع وتطورات حرب العقوبات، إلى انقسام العالم إلى كتلتين واحدة تستمر بشن حرب عقوباتها على ثلثي العالم، وكتلة تمثل ثلثي العالم تناهض هذه الحرب وتعزز قدراتها لحماية مصالح شعوبها ودرء أخطار الحرب الأميركية، ولعل أسطع صورة لفشل وإخفاق سياسة الحرب الاقتصادية الأميركية ضد كوريا الديمقراطية وكوبا على سبيل المثال، كان قد تأكد حين تمكنت كوريا الديمقراطية من التحول إلى قوة نووية قادرة على ردع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة بسلاحها النووي، بعد مقاطعة استمرت أكثر من ستين سنة، وكذلك حين تمكنت كوبا من الصمود لأكثر من ستين سنة وما تزال تتمسك بحريتها باختيار شكل اقتصادها وتوجهاتها السياسية.
أما الولايات المتحدة فسوف تدفع ثمن هذه السياسة العدوانية ضد كل دول العالم وشعوبه وسوف تظل سياستها هذه تتعرض للتنديد من كل دول العالم بل من منظمة الأمم المتحدة نفسها ففي إحدى الجلسات التاريخية للجمعية العامة طالبت الدول المشاركة بفك الحصار الأميركي عن كوبا ووافقت جميع دول العالم باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل.