ثقافة وفن

منابع الإبداع

| منال يوسف

الإبداع هو حقيقة التجدّد الفكريّ، وأحد الينابيع التي ترفد بحور الفكر وعظمة نبوغه الإنسانيّ، ويمثّل الفحوى التي تُرتجى من هذا التفكير أو ذاك.. وبالتالي يمثلُ حقيقة ثابتة يمتلكها أصحاب العقول النيرّة، الذين يحملون «لواء الإبداع ومُشكاة نوره المُضيء» والذين يعزفون على وتر التجدّد الفكريّ.

فالإبداع وكما يُقال «لا يُختصر بمنهج أدبي محدّد» وهو يُمثّل سرّ العزف على قيثارة التميز الدائم.

هذا التميز الذي لا تحدّه البحور وتتسع من خلاله مدارات الفكر الإنسانيّ وهو يُمثّل عملية الخلق في جميع المجالات العلمية والثقافيّة والفنيّة، ويبقى «نور الإبداع» ما بقي أصحاب العقول المستنيرة، فمن يمتلك لغات الإبداع الخاصة لا بدَّ أن ينجز ويخلّد بأعمال تُغني سبل الخلق الإبداعيّ وتزيد من حقيقة الإبداع ومنجزه العظيم.

فهناك الكثير من الإبداعات العظيمة التي لا تزال حاضرة رغم مرور الزمن، وبعضها أُنجزَ على يد عظماء الإبداع العالمي في مرحلة شبابهم الفتية وقد أصبحت تحفاً إبداعية جديرة بأن تُخلّد فعلاً.

ومن هنا نعرفُ بأن الإبداع لا يرتبط بمرحلةٍ عمرية ما، ولا ينحصر بمجال مُعين من الفنون الإنسانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يتم الاستفادة من القدرات والخامات الإبداعية؟

كيف نقتنص الشهب السائرة في عوالم الإبداع ونجعلها كالشموس ينعكس نورها علينا وهل يتم الاستفادة منها بالمعنى الصحيح؟

وكيف يتم الاستفادة من الإبداع عند الشباب؟ وهل سيتم الاحتكام إلى بينات أمره فالكل يؤمن بقدرة الشباب المبدع على كل الأصعدة والكل يؤمن بأنّهم خير من يمثل منهج الإبداع بكل مقوماته وخيرُ من يصيغ مبدأ دساتيره النظرية والعملية في آن معاً.

هذه الدساتير التي تأتي متوّجة الوصف الزمانيّ والمكانيّ، مُكلّلة الجمال الإنسانيّ إذ تتربعُ على عرش الإبداع العظيم وتسمو بنور بلاغته وموصوفه الأجمل.

تسمو كما العناوين وعظمة معناها التي قد تُضيف إلى الصفة والموصوف الإبداعيّ والأدبيّ..

فإذا قرأنا الإبداع بمعناه الأدبيّ الجميل نتخيّل «عيون الأدب» إذ ينضح منها رقراق المعاني «رقراق الإبداع وسموّ جماله بمعناه الفكريّ والثقافيّ»، والتصورات اللّغويّة التي تأتي منه هذه التصورات الإبداعيّة والتي تأتي صورها بلاغية المنشأ، رفيعة النهج الإبداعيّ ذات الصلة بجوامع اللّغة وأبحاث شأنها البلاغيّ ومعانيه السامية حيث تسمو معاني الأدب «معاني الشيء العظيم إذ تنهمر منه البلاغة وتزاحم نورانيّة الأفكار ولغويّة الجمال».

تنهمر في مُضاف الشيء الإبداعيّ وفلسفة تكوينه الخاص والعام.

وهنا نقصد فلسفة الإضافة الفكريّة التي تُختزل أو يُستقرأ نهجها اللغويّ والبلاغيّ بشكل أفضل..

وتنشأ بذلك «علاقة المادة الأدبية» بما يُمكن أن يُضاف إليها، وبما يُشكّل صلات جماليّة نقرأ من خلالها صور «التجسّيد الأدبي بكل أدواته ونظرياته الفعلية»، نقرأ موضوعات مُضافة الجهد الأدبي مُصاغة الحكم والأحكام النظرية بما تمتلك من فنون الاستعارات اللّغويّة ومناهج الإبداع وطرائق الاستنارة به.

وبما يرفد أنهر الإبداع بجماليات خاصة تُصاغُ مجلدات الإبداع في كلّ زمانٍ..

وتُؤّرخ لشيءٍ يُسمّى «أنوار الأدب الإبداعيّ» إذ يظهرُ جلياً بشكله الموثوق وبالتالي تشعُّ منه خطوط التباين الجماليّ إذ يظهر في مداه الأمثل.

كما يُسمع لسان حاله الذي يقول:إنَّ الإبداع هو الرقي الفكريّ الذي يجب أن يُنشد ويبلور بصيغ عقلانية جادة تُضافُ إلى «المناهج الإبداعيّة» وتسمو برقي التوصيفات الثّقافيّة.

هذه «التوصيفات الإبداعيّة» التي يفترض أن تُنتقى، يُفترض أن تظهر مناهجها الدالة على مُدركات الوعي الإبداعي.

فالإبداع ليس وساماً يُمنح، إنه عمل فكري يجب أن يُعترف به، وبالتالي يجب أن يُدل على مدى مصداقيته وتُضئ عناوينه بجذوةٍ خاصة.

وعندما نقرأ عن «فنون الإبداع ونوره» نراه يُمثّل شعلة الفكر الوقّاد ودليل الشيء المعرفيّ الذي ينشد نبالة الإبداع، ويسمو في تجلّيات الفكر الإنساني.. وقوة فاعلة لا يمكن تجاهل شأنها العظيم.

فالأمم العظمى تنهض بمقدار الإبداع الموجود لديها، تنهض بإدارة تنمية هذه الطاقات وتخصها بشيء يسمى (فن إدارة الإبداع وطرائقه الحديثة)، يسمى منهجية استثمار الإبداع الخلاق، بما يرفد منابع الإبداع وجوهره الأعظم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن