ثقافة وفن

العرض «Casting تجربة أداء» يقارب فنوناً بصرية على المسرح … سامر إسماعيل لـ «الوطن»: من صلب الواقع تقدم لعبة داخل لعبة

| سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني

ما بين الداخل والخارج، في سر وعمق المكنونات وما بين صراحة البوح، نقف في حيرة بين الظاهر العام والمُخبأ وفي النهاية تكون المفاجأة التي تكشف المستور، الـ (سيكو دراما) أو الدراما النفسية معقدة ولكنها متابعة إن أُحسنت صياغتها -في التقديم بما يشبه فيلماً سينمائياً بداخل مسرحية ولكن وفق شروط الأخيرة- وخصوصاً إن جاءت شفافة، حقيقية، وواقعية من دون أي تجميل. صراعات نفسية متماوجة صعودا وهبوطا، نضحك لها ونبكي عليها، في أحداث تشاهدونها في العرض المسرحي(Casting تجربة أداء) من تأليف وإخراج سامر محمد إسماعيل. أداء: عامر العلي، دلع نادر، مجد نعيم. على خشبة مسرح القباني في تمام الساعة السابعة مساءً ولغاية يوم 14 من الشهر الحالي.

لعبة داخل لعبة
اليوم عامل الجذب أصبح يتطلب التنويع في الفنون، بطريقة مميزة لتستقطب الجمهور، ولهذا يتم إقحام فن معين مع الفن السائد في الحالة المعروضة، وهذا ما قام به المؤلف والمخرج للعرض المسرحي (Casting تجربة أداء) سامر محمد إسماعيل، عندما قدم فيلماً سينمائياً داخل العرض المسرحي.
وحول هذه الآلية قال لـ «الوطـن»: «أردنا أن نقارب فنونا بصرية على المسرح، لكن وفق الشرط الفني المسرحي، وهي التي كانت مهمة صعبة عليّ كمؤلف وعلى الممثلين وعلى الكادر المسرحي ككل، فالعمل هو محاولة لتقديم ما يشبه فيلماً بداخل مسرحية وفق الشرط الفني للأخيرة، بسرد قصة المخرج والممثلة عبر أحداث هي من صلب الواقع السوري، من دون مباشرة لتكون لعبة داخل لعبة، بعيداً عن قواعد المسرح المُمسرح، وبالأداء الطبيعي والواقعي للممثلين، تتكيف الشخصية ما بين منطقتي الواقع والوهم، لتأتي المفاجأة الكبرى في نهاية المسرحية».
وعن الاهتمام المسرحي بالأمراض والعقد النفسية يوضح المخرج: «اشتغل المسرح كثيراً على ثيمة الأمراض النفسية وعقدها، ولكن في العرض الحالي أحببت أن أقدم نصاً يحكي عن واقع سوري صرف بعيد عن أي اقتباسات. العرض ليس فقط (سيكو دراما) الدراما النفسية، بل هو كما أسلفت لعبة داخل لعبة. هذا وأحب أن أضيف هنا بأن الحرب أثرت بالمسرح وبكل الفنون، الأخيرة التي تمشي ببطء وتعبّر ببطء، ولكن المسرح مباشرة، وأن تقدم عرضا يتحدث عن مواضيع أصابتنا منذ عشر سنوات، لهو خيار فني صعب جدا، سواء بتقديمه أم بالصيغة المناسبة والهدف منه، وأختم هنا بأنني أردت أن يتنوع العرض ما بين التراجيدي والكوميدي، بحيث حاولنا بأن نقدم صورة من الواقع بعيدة عن أي تجميل أو رتوش، ولكنها لا تخلو من بعض المواقف الطريفة».
في اليوم الأول للعرض لاحظنا إقبالاً كبيراً للجمهور، وللأسف منهم من عاد خائباً لعدم توفر مقاعد، ومن هنا يعبّر المؤلف إسماعيل عن سروره بالحالة وكم يعنيه هذا الأمر متابعاً: أنا دائماً أفكر بالجمهور، وهذا لا يعتبر عيباً أو نقصاً، فالجمهور هو شرف للممثل وللكاتب، كونه يأتي من بيته وينتظر ليحضر العرض وللأسف لا يجد مكاناً، فهذا الأمر يحرجني ويحزنني بذات الوقت، وأشعر بخيبة أمل كبيرة، ولكنني أتمنى أن أكون عند حسن الظن.
وأخيراً ختم سامر محمد إسماعيل حديثه معنا بالإشارة إلى أن اختيار الممثلين لم يكن ثابتا، بل خضع للكثير من التبدلات والتعديلات إلى أن وصل إلى النتيجة الحالية ولتتم الشراكة مع كل من الممثلين: عامر العلي، دلع نادر، مجد نعيم، الذين أشاد بقدرتهم وبأدائهم الرائع.

نُمثّل على التمثيل بالتمثيل
أمر مربك بأن يصلك المضمون ولكن تحتار بالأسلوب الذي عليك اتباعه لكي توصل الفكرة للجمهور، وخصوصاً إذا كانت الشخصية تشبه الفنان في الكثير من جوانبها وصراعاتها، وحول ذلك وعن شخصية المخرج المشهور (جو) يحدثنا عامر العلي «هذا العرض صعب جدا، كوننا نمثّل على التمثيل بالتمثيل، فهو يتطلب بمستوياته الثلاثة التي ذكرتها حجما كبيراً من الصدق والشفافية، لهذا تطلب العمل من الشخصيات- وخصوصاً شخصيتي- الكثير من الوقت والجهد، مع ظروف العمل والتي عانينا من ضيق الوقت فيها، إذ حضّرت للشخصية خلال شهر ونصف. فأنا شخصيتي مركبة وأعاني فصاما ما بين شخصيات متعددة: جو، جهاد، الرسام، التاجر. وهنا عشت التفاصيل حقيقة حتى وصلت إلى اكتئاب، فالفن مثله مثل الحلم إن لم يمت… يقتلنا. و(جو) بشخصيته يعيش في حلمه وقرر أن يعيشه في الواقع حتى دمره. بصراحة هذه الشخصية تشبهني وتشبه كل فنان، إذاً من حقيقتها أولا يأتي الإرباك الكبير، وثانيا بأن الفكرة من الدور وصلتني مباشرة، ولكن كيف أوصلها للجمهور. هذا الأمر تطلّب مني وقتاً وجهداً مضاعفاً، لأصل إلى الأسلوب المناسب، بالفصل بين كل شخصية، سواء من حيث الصوت أم من حيث الحركات الجسدية، ولكن في النهاية أمسكت المفتاح فصدقني الجمهور ولم يدرك الفصام الذي أعيشه».

المسرح أولاً
الممثلة دلع نادر انضمت إلى الكادر منذ عشرين يوماً سبقت اليوم الأول للعرض، هذا الوقت القصير كشف عن موهبتها وتمسّكها بالخشبة التي وقفت عليها رغم الإرباك والخوف، لكن لتكشف عن قدراتها في شخصية (جوليا)، وتخبر«الوطـن» عن تفاصيل أكثر وتقول: «الوقت كان ضيقاً جداً، مما تطلّب مني بذل الكثير من الجهد. هذه الشخصية متناقضة ما بين الفرح والحزن وما بين الوجع والمحاولات المتكررة لإثبات الذات. التجربة ممتعة جداً، وخصوصاً بأنني شريكة لكل من الفنان عامر علي والفنانة مجد نعيم».
وعن فقر المسرح للمواهب الشابة الواعدة أكدت دلع تمسكها بأبي الفنون مهما حاولت الفنون الأخرى إبعادها عنه» في الحقيقة خريجو المعهد كلّهم يذهبون بعيداً عن المسرح، وبالنسبة لي أنا أجد الخشبة هي مكان متعتي والتحدّي الأكبر في إثبات موهبتي، ولكن هذا لا يعني بأنني لن أشترك في الدراما، لكني سأفعل وسأبقى هنا بين الحين والآخر».

المرور اللطيف الكاشف
لا يهم حجم الدور، بل المهم بأن يكون مؤثراً، ويكون وجوده أساسياً لمسك الخيوط والكشف عن الحقائق. وللحديث أكثر توقفنا مع الممثلة مجد نعيم التي بحضورها كشفت اللعبة، وحول دورها تتابع: «من وجهة نظري أرى أنه من الضروري لكل فنان بأن يقدم عرضاً مسرحياً كل عام، كون المشاركة تجدد روح الممثل وأدواته بلقائه المباشر مع الجمهور، رغم الصعوبات الهائلة التي يواجهها المسرح.
وأنا أرى الممثل وكل العاملين فيه كالشهداء كونهم يأتون للعمل على الخشبة بشرط الحصول على المتعة فقط، وأتمنى أن يحصل تغيير وتحسين لهذا الوضع وبأن يعود للمسرح ألقه المطلوب. أما بالنسبة لدوري في المسرحية، عندما قرأت النص أحببت الشخصية بشكل كبير بغض النظر عن حجم الدور، فأنا أقبل بشخصيات حضورها متواضع مقابل أن تكون مهمة وصاحبة تأثير، فلولا شخصيتي لم تتحقق المسرحية، فهي من كشف الملابسات والحقائق، وهي من ربطت كل الأحداث محققة الصدمة للجمهور».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن