قضايا وآراء

هل يفكك الاقتصاد تحالف العالم الغربي؟

د. قحطان السيوفي :

قراءة هادئة لتاريخ الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية تُظهر أن الولايات المتحدة الأميركية عملت على أضعاف بل أيضاً مسح نفوذ الامبراطوريات القديمة البريطانية والفرنسية. مثلاً تراجعت وتقلصت الجغرافية السياسية لبريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، لتصبح بريطانيا الصغيرة العجوز تعمل كحليف صغير تحت مظلة الهيمنة الأميركية الأنكلوساكسونية اليوم، وتحت ضغط الأوضاع والمصالح الاقتصادية تعمل الحكومة البريطانية للزحف باتجاه الصين؛ القوة الاقتصادية الكبرى الصاعدة… وكأن ذلك خروج عن بيت الطاعة للحليف الأميركي، لدرجة أن صحيفة الفاينانشال تايمز وصفت زيارة الرئيس الصيني الأخيرة لبريطانيا بقولها: (زيارة تشي للندن.. لحظة ركع فيها حليف واشنطن لبكين).
بالمقابل ذكرت صحيفة «الشعب» الصينية هذا الأسبوع: (الإذلال الوطني الذي عانته الصين في العصر الحديث بدأ مع الصوت المُدوّي للمدافع من السفن الحربية البريطانية). واصلت الصحيفة في افتتاحيتها: «لكن الزمن تغيّر، الصين لا تتنمّر على المُعتدين السابقين).
في عام 2005؛ آخر مرة جاء فيها رئيس صيني إلى لندن في زيارة رسمية، كان الاقتصاد البريطاني لا يزال أكبر من الاقتصاد الصيني؛ هذا العام الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيكون تقريباً أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس الصيني (تشي) إلى بريطانيا تعتبر علامة على تحوّل جيوسياسي بالغ الأهمية – اللحظة التي ركع فيها، الحليف الأقرب لأميركا ؛ للقوة العُظمى الصاعدة (الصين).. هذه هي الرسالة التي أحضرها تشي معه وأراد أن يسمعها الشعب الصيني.
على هذه الخلفية اتخذت الحكومة البريطانية بقيادة كاميرون، ووزير المالية، جورج أوزبورن، قراراً واضحاً يربط الحظوظ الاقتصادية لبريطانيا بالصين في محاولة لإيجاد الظروف المناسبة «للعصر الذهبي» في العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة.
كثيرون في المملكة المتحدة، إضافة للحلفاء التقليديين في أوروبا وأميركا الشمالية، يساورهم شعور عميق بعدم الارتياح للمدى الذي ذهبت إليه حكومة كاميرون لإرضاء بكين.
تم تلخيص الحالة المزاجية بين هؤلاء النقّاد من قِبل عضو البرلمان البريطاني المُخضرم، بول فلين، الذي يقول إن بريطانيا تتصرّف «مثل الذليل المُتملّق المتوسّل الذي يلعق اليد التي تضربه» والانتقادات من الحلفاء التقليديين، وخاصة الولايات المتحدة، ليست أقل حدّة. (إيفان ميديروس) الذي كان يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس باراك أوباما لشؤون آسيا حتى بضعة أشهر مضت، قال لـ«فاينانشيال تايمز» (لندن تلعب لعبة خطيرة جداً في تسوية الخلافات التكتيكية على أمل تحقيق منافع اقتصادية، يُمكن أن تؤدي إلى مزيد من المشاكل على طول الطريق كثيرون في واشنطن يشعرون بالقلق من أن المملكة المتحدة تُساعد الصين على تسجيل نقاط في إستراتيجية طويلة الأجل لتقسيم وإضعاف التحالف الغربي).
في مكالمات هاتفية غاضبة خلال العام الماضي، وبّخ مسؤولون في البيت الأبيض نظراءهم البريطانيين على مسألة «تسوية الخلافات المستمرة» مع الصين.
ويشتكي المنتقدون، وخاصة الأميركيين، من أن لندن انضمت إلى البنك الآسيوي للتنمية دون سابق إنذار تقريباً بعد اجتماع مجموعة السبع، حيث كان التكتل قد قرّر بشكل جماعي عدم الانضمام. وفي وقت لاحق، معظم البلدان الأوروبية حذت حذو بريطانيا…
قالت الحكومة البريطانية إن زيارة الرئيس تشي الأسبوع الماضي «أطلقت» صفقات بقيمة قريبة من 40 مليار جنيه، ويُمكن أن ينتهي الأمر بنجاح مقامرة – أوزبورن – وزير المالية البريطاني – وهو المهندس الرئيس لهذه السياسة الجديدة. قال في مقابلة مع «فاينانشيال تايمز» خلال زيارته إلى الصين الشهر الماضي، إنه أراد «المُخاطرة قليلا في العلاقات مع الصين، من خلال دفعها فعلاً كي تجلب فرص العمل والنمو إلى بلادنا.
اليوم، الصين هي أكبر شريك تجاري لـ67 بلدا، لكن المملكة المتحدة ليست واحدة منها..
اعتذار رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (بلير) عن مشاركة بريطانيا في غزو العراق أثر في المزاج الشعبي البريطاني؛ ليدعم توجه الحكومة نحو الصين.
بعض الحلفاء، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، الذين شعروا بالانزعاج من سياسة لندن تجاه الصين يرون أن بريطانيا تتمرد على حلفائها الغربيين جرياً وراء مصالح اقتصادية. لاشك أن توجه حكومة بريطانيا العجوز نحو الصين يعتبر خروجاً من تحت المظلة الأميركية سعياً لتحقيق مصالح اقتصادية… بل يمكن اعتبار زحف بريطانيا باتجاه الصين بمنزلة التمرد على وصاية الحليف الأميركي، وبالتالي يمكن للمصالح الاقتصادية أن تساهم في تفكك التحالف السياسي للعالم الغربي بزعامة أميركا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن