عَرَبْ.. بوك!
| فراس عزيز ديب
صمتَ العالم عندما صمتت مواقع التواصل الاجتماعي، حقيقة لا يجب التغاضي عنها مهما حاولنا المكابرة. أُحجية غريبة كيف تمكنت هذهِ المواقع من التغلغلِ في حياتنا أما من يتحدث عن إدمانها فالمشكلة تبدو عنده لا بالمواقع.
ربما هناك نظرة متباعدة لمفهوم وسائل التواصل الاجتماعي فهي في الغرب مثلاً أقرب للترفيه وليست منبراً ليشتم المواطن المسؤول بطريقةٍ تسيء لمظلوميتهِ عندما لا تأخذ الطرق القانونية، وليست ليتهم وزير ما وسائل إعلامٍ وطنية ومواطنين مكلومين بالفبركة عندما لا تعجبه الحقيقة!
لكن أياً كانت نظرتنا لهذه المواقع فدعونا لا نُتعب أنفسنا بمحاولةِ فهم ما أصابها تقنياً ولنأخذ من القضية ما يفيدنا؛ أي لغة الأرقام.
في الولايات المتحدة هناك تجمع اسمه تجمع الشركات التريليونية، أي تلك التي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من تريليون دولار لكل منها، وهو ما يعادل الميزانية السنوية للدول الغنية على ضفتي الخليج العربي مجتمعة. يضم هذا التجمع شركات كفيسبوك ومايكروسوفت وأمازون وغيرها. تسهم هذه الشركات برفدِ الخزينة الأميركية سنوياً بمقدار يصل إلى ثلاثين بالمئة من قيمة الدخل، هل لنا أن نتخيل الرقم الذي يصل إلى الخزينة الأميركية من دون حفر بئر نفطي ولا حتى تنقيب عن غاز! هي شركات أنتجتها العقول وأبدعها إطلاق العنان للتفوق والتميز.
أغلبية هذه الشركات تعرضت للانتكاسة خلال هذا التوقف، إن كان عن طريق الخسائر بالقيمة السوقية كأمازون ومايكروسوفت، أو عن طريق الأرباح المباشرة وهي التي طالت بشكلٍ قاسٍ شركة فيسبوك.
لا أحد يعلم حتى الآن الرقم الأدق لهذه الخسائر على مستوى الأرباح، فالشركة التي أنهت عام 2020 بإيرادات قاربت 85 مليار دولار، أي أكثر بقليل من موازنة الدولة المصرية للعام 2019، خسرت في الساعات الست التي شملت الانقطاع 5 بالمئة من قيمتها التسويقية.
عندما تقرأ عزيزي المواطن العربي هذه الأرقام ألا ينتابك التساؤل: كم كانت خسائرنا لو كنا نتحدث عن «عرب.. بوك» لا فيسبوك! لكن قبل أن تغرق في أحلامك عليكَ أن تتذكر فيما لو كان لدينا «عرب.. بوك» هل كان القائمون على الموقع سيجرؤون على حظرِ صفحة مسؤولٍ مهم؟!
في الخلاصة: توقفت وسائل التواصل لساعات اهتز العالم، ترى لماذا لم يهتز هذا العالم والزمن لدينا كمواطنين عرب متوقف منذ مزقنا أنفسنا بأنفسنا؟
لا تدعوا حدث انقطاع مواقع التواصل الاجتماعي يقف عند نقاط لا طائل منها، القضية ليست بخسارة صفحة فيسبوكية ولا بضياع الذكريات مع الأهل والأحبة أليس هناك إلا هذه الذكريات؟ القضية ليست بعبارة «ارتحنا من عبء هذا التواصل الوهمي»، على أساس أن واقعنا مفعم بالمشاعر العبقة! هل حقاً هناك من لا يزال يعتقد أن الشخص الذي يكسب المليارات في السنة المالية يجهد ليل نهار ليتآمر عليه؟! قبل أن تفكروا كيف يتآمر علينا هذا وذاك فكروا كم تآمرنا على أنفسنا عندما اقتنعنا بأن كل علاتنا هي من الآخر، أو عندما نفتح التلفاز لنشاهد من يُحاضر بنا بقرب انهيار الاقتصاد الأميركي! دعكم من كل هذه الترهات وانظروا للمستقبل واعتمدوا فقط لغةَ الرقم.. وحده الرقم لا يتهمكم بالتآمر، ولا بوهن عزيمة الأمة.