ثقافة وفن

بعد 50 عاماً من الفن.. عباس النوري مكرماً في الرواق العربي … عباس النوري لـ«الوطن»: لا يوجد فن أو منتج ثقافي ممكن أن يعيش من دون حرية

| سارة سلامة- تصوير: مصطفى سالم

نصف قرن من العطاء والحب كانت مسيرة نجم مفعم بالحياة، شكل منذ انطلاقته حالة خاصة في أدواره وشخصيته وثقافته وعفويته، النجم السوري عباس النوري حمله شغفه في التمثيل إلى السفر بعيداً في أعماق الشخصية ورسم ملامحها وكوّن أفكارها بذكاء يتلون في أدائه، حيث شغل شغفنا بقصة شوارب محمود الفوال في «أيام شامية»، ولم يتخل المعلم عمر عن الأمانة في «ليالي الصالحية»، وشكل حالة جماهيرية من خلال أبو عصام في «باب الحارة»، هذا العام أيضاً أبو العز رجل الحارة يتمسك بضوابط الأخلاق ويقيم العدل في مسلسل «حارة القبة».

تحمل مسيرته الكثير من الأدوار والشخصيات على مدار أعوام، وهذا ما تم الحديث عنه في ندوة خاصة حاوره فيها الإعلامي ملهم الصالح متناولاً رحلته على مدار نصف قرن، ومناقشاً أعماله واختياراته وغاص في ثنايا شخصياته وعمره الفني، وذلك في منطقة «الرواق العربي» في دمشق ليلتقي الفنانين التشكيليين.

من الجلسة

ببدلة رياضية جاء خالعاً الرسمية واستبدل الفصحى بالعامية، بنبرته الشامية أحب فتح الحوار مع الناس لأن همه القرب وملامسة الأشخاص، فكان لقاءً حميمياً وبدأت الندوة بالتطرق إلى بداية انطلاقته في المسرح الجامعي والمحاولات التي شكلت شغفه وأبرز الأدوار التي شكلت مسيرته، ورأيه في الدراما حيث رأى أن شهرتنا درامياً لم توظف من القنوات السورية وإلى الآن لم نؤسس لصناعة تأخذ مركزها، كما أشار إلى أن المشكلة الأكبر هي انحسار عدد القنوات السورية، وتطرق إلى موضوع السينما والمسرح وابتعاده كان شيئاً طبيعياً نسبة لعدم وجود شيء حقيقي يقدم وانعدام الحريات، وأشار إلى موضوع الرقابة وتأثيرها السلبي الذي أثر بشكل مباشر على بعض الأعمال كما في مسلسل «ترجمان الأشواق»، لم ينس أيضاً أن يعيد التذكير بأن المنتجين يتعاملون مع العمل كسندويشة الفلافل ويقومون باستبعاد أي عنصر لا يناسبهم أو بسبب خلاف ما فيبدؤون باجتزاء الشخصيات بشكل عشوائي.

الفنون تتكامل مع بعضها

وكشف عباس النوري في تصريح خاص لـ«الوطن» أن هذه الندوة جميلة ومهمة ليس بغاية التكريم وحسب بل بغاية الاحتفال، حتى نعود ونشعر أن الإبداع لا يزال موجوداً في المشهد الثقافي والفني في سورية ولا يزال هناك من يتحاور ويتكلم بالاستحقاق من عدمه وبالجدارات ويناقشون بالشكل العام كل ما يخص الحالة الفنية والإبداعية في سورية، استمتعت جداً وأشكر الفنانين التشكيليين والقائمين على هذا الموضوع».

وبين النوري: «أن الفن التشكيلي مرتبط بالتمثيل والمسرح، لأن الفن لا يمكن أن ينفصل عن بعضه، فالمشهد الذي يصور في الكاميرا العادية هو بحاجة إلى ديكور ولوحات، من هنا أقول إن الفنون تتكامل مع بعضها».

وبالنسبة لموضوع الحريات الذي تطرق له مراراً في الندوة وخاصة في قطاعي السينما والمسرح أوضح النوري أنه: «لا يوجد فن أو منتج ثقافي ممكن أن يعيش من دون حرية، فإذا لم توجد الحرية فلا يوجد راعٍ للثقافة ولا يوجد من يرعى الإبداع، الرعاية الحقيقية هي الحريات والمزيد منها لأننا جديرون لنأخذ قسطاً أكبر من الحريات في التعبير لأن لدينا مسؤولية تجاه بلدنا أكثر من كل الرقابات التي تُفرض علينا فرضاً لذلك أطالب بالحريات إلى أقصى مدى ممكن».

وعن ما يحضره للموسم القادم أفاد النوري: «أن هناك مشاريع جديدة لم يؤخذ قرار فيها للموسم الرمضاني القادم ولا يزال هناك المزيد من الوقت لتتوضح الأمور، إلا أننا نصور باكراً الجزء الثالث من مسلسل (حارة القبة)، بسبب ظروف إنتاجية مع المنتج لكن يبدو أن العمل لاقى جماهيرية وجاذبية عند المتلقي وبالتالي سيكون له أجزاء كثيرة».

جمّلوا المسرح

بينما أوضح الممثل جمال قبش «أن اللافت في شخصية النوري أنه ينتمي إلى الجيل الجامعي، ربما كانت هذه المراحل المبدئية بعد تجربة الأستاذ رفيق الصبان، وشريف خزندار اللذين اضطرا إلى اللجوء للجامعيين آنذاك، لأن المسرح القومي لم يكن قد شكل بعد، وأدى وجود النوري إلى جانب مجموعة جميلة مثل بسام كوسا وسلوم حداد وغيرهما، هؤلاء الذين طعّموا وجمّلوا المسرح القومي لأنه كان بحاجة إلى جيل الشباب، عندها طُرح تأسيس المعهد واللجوء إلى متخصصين، لا شك أن الشغف في تلك الفترة شجعهم لتقديم شيء له علاقة بالثقافة المسرحية التي لم تكن موجودة آنذاك، ووضعوا الأسس لتأسيس المسرح القومي والآن هم نجوم الشاشة السورية وأقول ذلك لأن المسرح انحسر مع وجود التلفزيون».

الفن كتلة واحدة

ومن جهته بيّن رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عرفان أبو الشامات: «أنه في عام 1967 شُكلت نقابة الفنانين ونقابة الفنون الجميلة كنقابة واحدة، ثم انفصلت نقابة الفنون عن نقابة الفنانين بمعنى أن الفن هو كتلة واحدة سواء كان فناً تشكيلياً أم فناً درامياً أو موسيقياً إلى آخره، وهذا الاحتفال لفتة كريمة من الاتحاد تجاه فنان درامي من الدرجة الأولى قدم للوطن يوبيلاً ذهبياً، خمسون عاماً من العطاء نفتخر بهذا التكريم من الاتحاد».

وأوضح أمين سر الاتحاد غسان غانم «أن هناك حالة موحدة بين الفنون لا نستطيع فصلها عن بعض، هي حالة من التكامل عندما يقدم التشكيل الديكور واللوحة التي ستظهر وتنتشر من خلال الدراما».

أما الفنان التشكيلي جورج عشي فقال:إن النوري هو صديق قديم نتابعه بكل أدواره، مخلص لعمله ويتعب على الشخصيات المتنوعة التي يقدمها، وهذا من صفات الممثل الدرامي الناجح، ومن هنا نعرف قيمته الفنية الكبيرة لبلدنا بكل أدواره، وكان لقاؤه مع التشكيليين بادرة مهمة لأنه قبل هذه الفترة كان هناك انفصام عرى بين الفنان والشاعر والممثل ولا توجد لقاءات حميمة، اليوم نرى أن الأمور تنفتح أكثر بين الفنون».

مسيرة نصف قرن

بدأ حياته الفنية من خلال المسرح الجامعي تحت إدارة المخرج العريق فواز الساجر وقدم مسرحيات مهمة ذات جودة عالية أهمها: (رسول من قرية تميرة للبحث عن قضية الحرب والسلم) لكاتب مصري اسمه محمود دياب وقدمت بالفصحى، شارك بالمسرحية الكثير من فناني جيله أمثال: سلوم حداد- بسام كوسا- نذير سرحان.

ثم انتقل بعدها للتلفزيون عن طريق الفنان سليم صبري بعد أن اختاره للمشاركة في خماسية تلفزيونية بعنوان (سمر)، بعدها تلقفه عدد من المخرجين المخضرمين في ذلك الوقت أمثال محمد فردوس أتاسي وهيثم حقي وعلاء الدين كوكش وغسان جبري، وشارك بالعديد من الأدوار المهمة والبطولة في أعمال حققت جماهيرية واسعة في سورية والوطن العربي كـأحلام منتصف الليل والبيادر والوسيط والأجنحة والطبيبة والهجرة إلى الوطن وأبو كامل وغيرها من الأعمال التي مثلت الانطلاقة الحقيقية للدراما السورية.

بعد النجاح الواعد في البدايات جاء مع بداية التسعينيات وهي الفترة التي جسدت ثورة الدراما السورية على مستوى الوطن العربي بأعمال ساهمت بترسيخ الدراما السورية عربياً كـ «هجرة القلوب إلى القلوب» و«الدغري» و«أيام شامية» و«الخشخاش» و«طقوس الحب والكراهية» وغيرها من الأعمال التي جعلت من عباس النوري أحد الأسماء المهمة والكبيرة التي احتلت مرتبة الصف الأول على مستوى الدراما السورية والعربية.

توالت النجاحات مع تقادم السنين والخبرات وقدم أدواراً وأعمالاً مفصلية كـدور «خلخول» في النصية ومحي الدين في «رقصة الحبارى» وشاكر الكوراني في «ليل المسافرين» والمعلم عمر في «ليالي الصالحية» والشهيد أبو جندل في «الاجتياح» وأبو عصام في المسلسل الشهير «باب الحارة» وأبو جعفر المنصور في مسلسل «أبو جعفر المنصور» والروائي جلال جديني في مسلسل «ليس سراباً» وحمزة آغا والجوربجي في «ثلاثية الحصرم الشامي».

تكريمات

فاز بجائزة التكريم لمهرجان أدونيا عام 2007، وبجائزة أفضل ممثل دور رئيسي في مسلسل ليس سراباً عام 2008، وأيضاً بجائزة أفضل ممثل بالدور نفسه في مهرجان الإذاعة والتلفزيون، وبجائزة أفضل ممثل عربي لعام 2009 بملتقى الإعلام العربي في الكويت، كما توصل للعالمية بعد بطولته للمسلسل العالمي العربي الاجتياح والذي فاز بجائزة إيمي كأفضل مسلسل أجنبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن