السوريات القاتلة!!
عبد الفتاح العوض :
ثمة مشاعر وأفكار دخلت المجتمع السوري في هذه الأزمة، ويمكن القول بكثير من التأكيد إن هذه المشاعر ناتجة عن الأزمة وهي بالوقت ذاته جزء من أسباب إطالة أمدها وتشظي آثارها.
لعل أول وأكثر هذه المشاعر السلبية القاتلة هو التعصب والتطرف والانحياز الأعمى والتعامي عن الحقائق الفجة.
ما زال البعض يتحدث كما لو أنه تحت تأثير أوهام صارخة، ومن الواضح أن هذه الأوهام تلقي بظلالها على نظرته للأشياء، ورغم أن التطور الطبيعي لهذه الأزمة أن يصل الناس إلى مرحلة تتغير فيها الآراء باتجاه الأكثر صواباً إلا أننا ما زلنا نلمس أن الكثير من السوريين ما زالوا أسارى لأفكارهم السابقة، والتمسك بالأخطاء هو أكثر الأخطاء جسامة.
والحديث السياسي «المعارض» ما زال يصر على أدبيات معينة لم يستطع الخروج منها وهذا جزء من استمرار الأزمة.
أيضاً.. من المشاعر السلبية التي تسيطر على السوريين هو التشاؤم، وربما طول الأزمة وتدحرجها من سيئ إلى أسوأ ساهم في خلق مشاعر التشاؤم من المستقبل، لكن دوماً لا تنهض الشعوب بالتشاؤم وهو عامل مدمر سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام.
التفاؤل يصنع حلولاً، أو على الأقل يخفف الآلام، لكن التشاؤم يزيد الأمور سوءاً، وهنا لا نتحدث عن التفاؤل المخادع بل عن التفاؤل الواقعي الذي نستعيره من التاريخ، ومن تقلبات الأحوال وتبدل الأحداث ولعل الصبر هو الشيء الذي يمكن أن يساعدنا على تخطي هذه الأزمة.
ثالثاً من السوريات القاتلة النظر إلى الماضي والتحدث عن الأسباب التي فيها خلافات كثيرة وآراء متباينة حولها، بينما الأكثر فائدة هو الحديث عن الحل والمستقبل.
إننا نعيد ونكرر الأحاديث ذاتها عن الأسباب ونتجادل حولها، لكن الشيء الواجب فعله هو الحديث عن الحلول وخلق مبادرات سورية وليس انتظار ما يقرره الآخرون عنا.
إن من أكثر الأشياء غرابة أن العقل السوري لم ينتج مبادرات مجتمعية، ولم يقم رجالات الفكر والمجتمع والمال بالدور المطلوب لوضع الحلول على طاولة النقاش على أقل تقدير.
رابعة السوريات القاتلة هي لغة الحقد التي سادت في أوساط كثيرة بعضها في خانة النخب، ورغم أن المجتمع السوري بطبعه وحضارته يقدم الوسطية والاعتدال ويبحث عن التسامح والغفران، إلا أن لغة صادمة سادت المجتمع تتحدث عن الآخر بلغة التعميم وانحازت إلى القسوة والأحكام الجارحة.
خامسة السوريات القاتلة هي استغلال الأزمة ووجود طبقة في المجتمع، وجدت أرزاقها في استمرار الأزمة وثمة مظاهر كثيرة تدل على ذلك لعل أوضحها ما يجري في الأسواق والإيجار وغيرها من المظاهر التي تعلن عن عدم الرحمة بالآخر واستغلاله بأبشع الصور.
الخبر الجيد: إن هذه المظاهر السلبية والسوريات القاتلة هي مظاهر سطحية مرتبطة بحدود الأزمة وهي ليست مظاهر عميقة، ومجرد وجود بيئة أخرى فإن المجتمع يستعيد عافيته.
أيضاً إنه مقابل السوريات القاتلة ثمة مظاهر سورية ناصعة النقاء ومقابل هذا الحجم من السواد ثمة إشراقات مهمة أفرزها المجتمع السوري من عمق جراحه.
آخر ما أقوله هنا: إن واجب المجتمع وكذا الدولة أن تمارس دوراً مهماً في إنجاز أجواء مغايرة وبديلة وتنشر ثقافة إيجابية ومتفائلة، وهو دور تقوم به مؤسسات تخطط وتنفذ وترسم ملامح مجتمع صحي ولائق بالسوريين.
أقوال:
«حبك الشيء يعمي ويصم».. حديث شريف.
المتعصب وإن كان بصره صحيحاً، فبصيرته عمياء
نحن نغفر ما دمنا نحب.
لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.