الصحافة ما بين الكتابة التخصصية والأداء المهني … الحس الصحفي ملكة ضرورية للتحرك في الحقل الإعلامي
لجين إسماعيل :
التخصص علمٌ يفتح المجال أمام الإبداع والاختراع، فكثير ممن أبدعوا في تخصصاتهم كانت الملَكة العقلية وعشق المهنة أداة نجاحهم، والمتابعة والمثابرة سرّ تفوقهم.
فهل يمكن أن يكون للصحافة كتابة تخصصية؟.. وهل يمكن للكتابة التخصصية أن تلغي دور كتابة الموهبة؟..
الكتابة ليست حالة انطباعية
ليست الكتابة مجرّد هواية نسطّر بها بعض الحروف والكلمات لننشئ بها مقالات ونحرّك بها ضمائر، فالإعلامي أمجد طعمة بدايةّ وضّح الفرق بين وسائل الإعلام الالكترونية والمطبوعة مركّزاً على أهمية الكتابة التخصصية للمطبوع منه الذي يمثّل الموضوعية والوثوقية، فالكتابة ليست حالة انطباعية وإنما دراسة أكاديمية وقراءة نقدية عالية المستوى.
وأضاف: « يتم التوجّه لصناعة إعلاميين من اختصاصات مختلفة، فيتمّ دفع الإعلامي للتخصص في مجال دراسته والاهتمام به، فنحن في عصر التخصص وهذا الشكل هو المستقبل الذي يعوّل عليه في الإعلام».
وختاماً أعرب عن أمنيه في توجّه الوسائل الإعلامية كافة والتزامها هذا المنحى موضحاً أن الصحفي الذي يريد التميّز ويطمح في عمله للتخصص عليه أن يسعى في تنمية مقدراته من خلال الدراسة الأكاديمية والتعمّق، فحالة الاختصاص هي عملية كسب معارف إعلامية.
الكتابة ممارسة للفعل الإبداعي
وإذا كانت الكتابة تتلوّن وتتفرع في أنواعها، فيبقى للكتابة الصحفية مميّزاتها وأساليبها فيرى الإعلامي محمود عبد اللطيف أن الكتابة الصحفية واحدة من صنوف الإبداع النصي وإن اختلفت في توجهاتها، ولعل الكتابة التخصصية في سورية تتبلور خلال ممارسة العمل الصحفي والدخول في سوق العمل إن صح التعبير، إلا أن الكتابة في أصلها ممارسة للفعل الإبداعي، ولا تحد ملكة الصحفي الشهادة الحاصل عليها، ومن الأساس في الكتابة هو التخصص، بمعنى أن الطبيب الممتلك لملكة الكتابة سيكون أكثر وضوحاً في تصدير معلومته إلى المتلقي من أن يعمل على صياغة هذه المعلومة صحفي أو أحد الحاملين لشهادة الإعلام.
العمل الإعلامي علاقة تبادلية
العمل الإعلامي هو عمل جامع لمختلف التخصصات لاختلاف تخصصات الإعلام نفسه، فوسائل الإعلام الصحية أو الثقافية أو الزراعية، لا يمكن أن تدار من دون وجود تخصصيين قادرين على العمل الإعلامي، هي علاقة تبادلية إن صح التعبير بين الإعلام والتخصصات الأخرى، لإيصال معلومة خالية من الشوائب.
العمل التخصصي للصحفي يجعله أكثر قدرة على الإبداع
تخرّجوا وانخرطوا في الحياة العملية فكان يجب أن يحققوا النجاح، ويتابع الإعلامي محمود: خريجو الإعلام يجب أن يعملوا على بلورة التخصص المهني الذي يصبون من خلاله قدراتهم للتحول إلى نص مبدع، وإن كان تنوع الموضوعات والكتابة في أكثر من مجال واحد (رياضة – اقتصاد – سياسة.. إلخ) للصحفي دليل في سورية على تميزه وفق معايير أصحاب المؤسسات الإعلامية المضغوطة النفقات في سورية، في ذلك خلق لنوع من الفوضى لدى الصحفي نفسه، إلا أن البحث عن العمل التخصصي للصحفي يجعل منه أكثر قدرة على الإبداع واستخدام ملكة «الحس الصحفي» التي هي الأساس في تحرك العامل في الحقل الإعلامي نحو تحقيق ذاته أولاً، وتحقيق نتيجة ملموسة على أرض الواقع من خلال ما يقدمه من مواد.
تبدّل التوجهات خلق شرخاً كبيراً بين الصحفي والصحافة
ولعل الأزمة السورية أفرزت حالة من التخبط أو الفوضى في إدارة الوسائل الإعلامية الخاصة التي تبحث عن أكبر قدر من الاستفادة من الصحفي العامل لديه بما يحقق نوعاً من التوفير في النفقات، يضاف إلى ذلك أن عدداً كبيراً من الصحفيين بدلوا توجهاتهم لمصلحة العمل في الإعلام الحربي أو الكتابة للتحليل السياسي، الأمر الذي خلق شرخا بين الصحفيين والصحافة بقدر ما، لكون تجربة الإعلام الحربي أو الإعلام السياسي غير ناضجة بالشكل الكافي في سورية، لأسباب لها علاقة في زمن كان يعتبر فيه هذين الشقين من أقل المجالات استخداما في الإعلام السوري، وبالتالي لا بد من الوصول إلى حالة من النضوج على مستوى الشكل والمضمون في هذا التخصص من الإعلام بعيداً عن بهرجة الصورة، أو الكلمة في النص المكتوب، ففي المحصلة يبقى النص المكتوب أيا كان توجهه نصاً إبداعيا، خاضعا للنقد الأدبي أيا كانت طبيعة المعلومة التي يحملها.
التخصص يعنى بالتخصص العملي
النقد هو الأساس في بناء النص الشفاف القادر على حمل المعلومة الصحيحة إلى المواطن البسيط، وهذا الاشتغال الذي يفتقر إليه الإعلام السوري، لا يعني عدم وجود أسماء لامعة من خلال التزامها التخصص في الكتابة للصحافة، فكتاب النقد أو التحليل السياسي، أو التحقيق الصحفي المحافظين على التخصص، يصلون إلى مرحلة من النضوج النصي أكثر وأسرع من غيرهم، وعلى ذلك يجب أن يفعل المسؤولون عن المؤسسات والوسائل العلمية التخصص العملي والعلمي في آن معاً، بمعنى أن يترك كاتب النص الأدبي أو السياسي يمارس المهنة التي يحب من خلال النافذة التي يحب، فالتخصص أصلا في الصحافة لا يعني الشهادة بقدر ما يعني الميل الممتلك للأدوات، فأن تميل للإعلام الأدبي أو السياسي شيء، وأن تمتلك أدوات هذا النوع من الإعلام شيء آخر، والحديث هنا لا يشمل التخصص العلمي، فليس كل طبيب قادراً على شرح المعلومة الطبية، وليس كل خريج علوم سياسية قادراً على أن يكون كاتباً للنص السياسي، والتخصص يعنى بالتخصص العملي.
الكتابة التخصصية لا تلغي مقدرة الكتابة في أي مجال
الكتابة التخصصية والعمل الصحفي متلازمان وفي هذا تؤكّد الإعلامية ايفا الصايغ على الكتابة التخصصية بالعمل الصحفي مع الأخذ بعين الاعتبار أن يمتلك الصحفي قدرة الكتابة بأي مجال، إلا أن الكتابة التخصصية تبقى الأنجح والأشمل والأقدر على المتابعة والتحليل.
فالعمل الصحفي يحتاج لممارسة وخبرة ودراسة، وحبّاً للمهنة مرفدة بالمتابعة والاجتهاد، والقدرة على الابتكار وتأسيس أسلوب خاص، فليس بالضرورة أن يكون الإعلام معياراً للنجاح الذي من الممكن أن يحققه الصحفي.
والتخصص يأخذ الأولوية لأن الأسلوب والعمل الإعلامي من الممكن اكتسابه من خلال الخبرة والممارسة، إلا أن العكس يبدو صعباً.
الصحافة بين العلم والفن
مما لا بد من ذكره وجود تخصصات في كلية الإعلام، إلا أنها تعتمد التخصص بالشكل والمادة الصحفية المقدمة أما المضمون فيختلف حسب المجال فيشير الإعلامي ماهر المونس إلى المضامين الصحفية التي تحكمها قواعد أساسية صحفية مهنية لابد منها بأي مجال صحفي وبأي مجال يريد أن يكتب أو يعمل فيه.
فالصحافة بين العلم والفن، الفن التطبيقي؛ فن مبني على ركائز علمية، والصحفي الميداني الذي يمتلك خبرة تستند إلى قواعد أكاديمية سوف تثمر هذه الخبرة بشكل أجدى وأنفع وأفضل.
لكن هذا لا يعني أن الصحفيين الذين يعملون في ميدان ولم يرتادوا الكلية ليسوا بقادرين على أن يكونوا صحفيين جيدين لكن عليهم أن يعززوا عبر الاطلاع طريقة تأثيرهم في الجمهور.
الكتابة موهبة وملَكة
كثرٌ دخلوا إلى عالم الصحافة عشقاً له فأبدعوا رغم أنهم لم يرتادوا كلية الإعلام وهنا يقول السيد مرشد أحمد: لا شيء مغلقاً أمام العقل والموهبة والخبرة مقترنة بالمتابعة والمثابرة على الاستمرار وحب العمل، فالعقل قادر على التعامل مع كل المعطيات الإنسانية، كما أن الصحفي يجب أن يمتلك الثقافة العامة التي تؤهله للخوض في الموضوعات كافة.
وبهذا الصحافة فن التقاط الفكرة والدفاع عنها، فن التأثير في المجتمع بجميع شرائحه، فن الموهبة والإبداع، وما الإبداع إلا بالتركيز والتعمق.
فهل الصحافة تحتاج إلى التخصص؟؟!!