قضايا وآراء

لعبة الإرهاب الأميركية القديمة الجديدة

| تحسين الحلبي

من الطبيعي أن يقوم كل رئيس أميركي يحل محل سلفه بالاطلاع الدقيق والموسع على الخطط التي وضعها السلف وحلوله المعدة على مدى سنوات لحماية وتعزيز المصالح الإمبريالية الأميركية لتحقيق هذه الغاية، ولذلك سيكون من البديهي أن يكون الرئيس الأميركي جو بايدين قد اطلع على خطة الرئيس دونالد ترامب تجاه أفغانستان، ويبدو أن بايدين استفاد من تلك الخطط المعدة لأنه نفذ سياسة ترامب بالانسحاب، وها هو منذ أسابيع كثيرة يتابع تنفيذ تفاصيلها التي تدل على التعويل على دور طالبان وقواتها المعززة بجيش كابول وأسلحة الولايات المتحدة في استخدام هذا الدور بطريقة قديمة جديدة ضد كل دولة أو قوة مناهضة للسياسة الأميركية في المنطقة المجاورة لأفغانستان بشكل خاص وفي المنطقة كلها في الشرق الأوسط بشكل عام.
ويشير سجل تاريخ علاقات الإدارات الأميركية بطالبان وزعيمها الملا عمر، أحد أهم قادتها المؤسسين منذ توجيه مجموعاتها الإرهابية التكفيرية ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائه داخل أفغانستان في الثمانينيات، إلى تشكيل جبهة أميركية طالبانية مشتركة مع منظمة القاعدة التي مثلت الإطار العربي الإسلامي للإرهاب التكفيري في المنطقة ضد الاتحاد السوفييتي، وكان الموقع الاليكتروني لقناة «بي بي سي» بالإنكليزية قد ذكر في التاسع من أيلول الماضي تحت عنوان «العهد الذي يربط القاعدة بطالبان» أن زعيم منظمة القاعدة أسامة بن لادن أعطى بيعة منظمته للملا عمر زعيم طالبان في التسعينيات بصفتهما جبهة مشتركة وأهدافاً موحدة، وبهذه الطريقة افتتح باب للولايات المتحدة المتحالفة مع طالبان منذ عام 1980 لتوسيع دائرة استغلالها لمنظمة القاعدة وبطريقتها شبه السرية، ضد دول إقليمية مناهضة للسياسة الأميركية تاركة حليفها طالبان لإدارة أفغانستان بعد الانسحاب السوفييتي منها، ويضيف موقع «بي بي سي» إن «هذه العلاقة التاريخية بين طالبان والقاعدة تطلبت من الولايات المتحدة أن تضع شرطاً في اتفاقية السلام التي وقعتها مع طالبان عام 2020 يقضي بألا تسمح طالبان للقاعدة أو أي منظمة إسلامية أخرى بالعمل من أفغانستان ضد المصالح الأميركية، ووافقت طالبان على هذا الشرط بالدوحة، وأكدت الالتزام به في 15 آب الماضي حين سيطرت على العاصمة كابول.
زعيم طالبان الملا عمر، كان قد رفض تسليم «بن لادن» بعد تفجيرات 11 أيلول الإرهابية في نيويورك للولايات المتحدة حين طالبه الرئيس جورج دبليو بوش بتسليمه، فظهر على الفور سيناريو الغزو الأميركي لأفغانستان وظهر بعده دور القاعدة كمنظمة إرهابية تكفيرية طائفية تستهدف الشعب العراقي بحرب إبادة بعد انتشار جيش الاحتلال الأميركي في العراق عام 2003 وتشجيعه لمثل هذه الحرب العلنية الطائفية في المنطقة كلها.
لقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة ترغب بعد الاتفاق مع طالبان وشروطه المعروفة بأن تتولى طالبان مهامها في ساحتها الإقليمية لمصلحة الولايات المتحدة، وأن تخصص لمنظمة القاعدة بقيادة أيمن الظواهري وما نشأ عنها من مجموعات ومنظمات مثل داعش والنصرة، العمل في الساحة الإقليمية العربية بشكل خاص، وهذا الشرط الذي وافقت عليه طالبان في اتفاقية السلام مع واشنطن، يعني أن تستغل واشنطن منظمة القاعدة لمهامها في المناطق الأخرى. وهذا ما تدل عليه محاولات واشنطن إعادة الحياة لمجموعات القاعدة وما يشبهها في العراق وسورية والمنطقة في هذه الأوقات، فهذا التيار الإرهابي التكفيري هو المطلوب في السياسة الأميركية للعمل ضد «أنصار الله» في اليمن وضد قوى الحشد الشعبي في العراق وضد الجيش العربي السوري في سورية وضد المقاومة اللبنانية وضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو التيار الذي سيحافظ على علاقاته مع طالبان كقوة داعمة له في منطقة عمله ضد هذه الأطراف وتبقى قطر المقر الأميركي لتوجيه كل هذه المنظمات الإرهابية أينما كانت.
بهذا الشكل الواضح للخطة الأميركية تريد إدارة بايدين توسيع جبهة هذا التيار لكي يشكل جبهة في مواجهة دول وأطراف محور المقاومة وحلفائها من الروس والصينيين على المدى القريب والبعيد، ولذلك تركز سياسة بايدين الآن على دور وكلائها السريين والعلنيين الممتد من أفغانستان حتى سورية والعراق واليمن وإيران ولبنان، وتعمل على منع أي مصادر لاستقرار هذه الأطراف، وهذا ما قصده وزير الخارجية الأميركي من إعلانه في 13 تشرين الأول الجاري حين قال في مؤتمر صحفي إن «الموقف الأميركي تجاه سورية هو منعها من إعادة الإعمار»، وهذا يعني أن واشنطن التي هزمها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان تلوح باستمرار حربها ضد سورية بطرق أخرى وهذا ما لن ينجح مهما خططت هي ووكلاؤها من المجموعات التكفيرية الإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن