قضايا وآراء

هزيمة أميركا في سورية.. دروس مستخلصة!

| د. بسام أبو عبد الله

لا يبدو أن البعض من أنصار أميركا، يريد أن يصدق أن هذه الإمبراطورية يمكن أن تهزم، إذ غالباً ما يلجأ هؤلاء إلى البحث عن المبررات لها تارة بالقول إنها تعيد التموضع والانتشار، وتارة أخرى بالادعاء أنها لم تعد مهتمة بالشرق الأوسط، وتارة ثالثة أنها لم تُرِد إسقاط النظام السياسي في سورية، ولو أرادت لتمكنت من ذلك إلا أنها رغبت فقط في «تغيير السلوك»، وليس إسقاط النظام كما يروج أنصار من ركبوا قارب أميركا طوال سنوات عشر، والآن يشعرون أنها ترميهم الواحد تلو الآخر لمصيرهم كما هي عاداتها وتقاليدها وسياساتها، والأكثر مرارة أن هؤلاء «الفطاحل» في السياسة، والذين تنطعوا إزاء قيادتنا، والتخطيط لنا من منصة «المعارضات» يفاجؤون في كل مرة بالسلوك الأميركي، وبالغدر الأميركي، وبالتخلي الأميركي، دون أن نفهم منهم أبداً كيف يمكن لك أن تتحالف مع طرف دولي كبير بحجم أميركا، ولا تقرأ تاريخها وتاريخ سياساتها، وممارساتها ومصالحها، ولا تفهم أنه لا صداقة تدوم معها، ولا مكان لحديث إلا بمقدار ما تقدم من خدمات، وتكون مطيعاً ومنفذاً لأوامر واشنطن، ولا مكان للأخلاق هنا، ولا مكافأة لأحد على نهاية الخدمة بل استثمار ينتهي عندما لا يصبح مربحاً ومفيداً، والغريب في الأمر أنه لو طلب هؤلاء الاستشارة لقلنا لهم اقرؤوا كتباً، ومذكرات لقادة الولايات المتحدة، وراجعوا تجارب الكثير من زعماء الدول الذين رهنوا بلدانهم لأميركا ومصالحها ضد مصالح شعبهم ومستقبله، وهنا أقول: هل تريدون أمثلة؟ تفضلوا وتابعوا معي قصصاً وتجارب: الجنرال ضياء الحق وبرويز مشرف في باكستان، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، والرئيس الفيلبيني فرديناند ماركوس، ورئيس بنما الأسبق مانويل نورييغا، وإدوارد شيفاردنادزه الذي كان وزيراً لخارجية الاتحاد السوفييتي فـخان بلده الكبير، ثم أوصلوه لرئاسة بلده الصغير جورجيا، وأطاحوا به بعد انتهاء خدماته، ورئيس أندونيسيا الأسبق محمد سوهارتو، ودكتاتور تشيلي أوغستو بنيوشيه، الذي شارك بالانقلاب وقتل سيلفادور أليندي، وديكتاتور كوبا فولغينسيو باتيستا، وموبوتو سيسي سيكو في الكونغو، وجان أريستد في هاييتي، وعسكر آكاييف في قيرغزستان، ومن تريدون أيضاً، هاكم أمثلة لم يمض عليها سنوات: زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا الذي اعتقد أنه بتنازله للغرب سيضمن حياته، فقتلوه في الشارع، والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي شن حرباً على إيران بدعم أميركي غربي، ثم انقلب حلفاؤه عليه، وانتهى إلى حبل المشنقة، وهاكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت صورته تتصدر مجلة «التايم الأميركية» كديمقراطي متنور، وإصلاحي وتقدمي، وما تريدون من الصفات، أما الآن فتابعوا ما يكتب عنه في مراكز الأبحاث والصحف الأميركية: ديكتاتور، إرهابي، أيامه معدودة، مريض، ينتهك حقوق الإنسان… الخ، لأنه فشل المشروع، وهزيمته سيعني إزالة الشخصيات التي شاركت به من الواجهة، أي تنظيف مسرح الجريمة وإزالة الأدلة والأدوات، وتغيير المقاربات وهكذا دواليك.
الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها أن أميركا فشلت وهزمت في أفغانستان كما يقر مقال نشرته الـ«ناشيونال إنترست الأميركية» في 17 تشرين الأول الجاري، بعد إنفاق 2.3 تريليون دولار، وفشلت قبله في العراق بعد انفاق 2 ترليون دولار وآلاف القتلى الأميركيين، وعشرات آلاف الضحايا من المدنيين والنتيجة نفسها سيصل إليها الأميركيون في سورية، إذ يشير الكاتب إلى عقم جهود أميركا في إعادة بناء وهيكلة الدولة السورية، وتقسيمها عبر العمل على إنشاء دويلة إثنية كردية شمال غرب سورية، حيث يرى هذا المشروع مستحيلاً، وأما داعش فلن يسمح لها بالظهور من قبل القوى التي حاربتها وهزمتها، إذ إن داعش قتلت مواطنين أميركيين فقط، على حين أنها قتلت الآلاف من أبناء شعوب المنطقة مسلمين ومسيحيين، أي إن داعش ليست سبباً لبقاء الاحتلال الأميركي في سورية، كما تدعي واشنطن لأنها لا تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وخاصة أن هذا التنظيم الإرهابي هو صنيعة أميركية صهيونية.
أما أهم الدروس المستخلصة من الهزائم الأميركية المتتالية بما فيها في سورية، على الرغم من أن القول إن سورية لم تحقق نصراً نهائياً هو صحيح، لكننا في الطريق نحو هذا الانتصار بعد اتضاح الصورة أكثر، وتكسر جدران عزل سورية، ومحاصرتها، وهنا لابد من إقرار ما يلي:
1- القول إن أميركا لم تسع لإسقاط الدولة السورية وتفتيت وحدة أراضيها، بل عملت على ما سموه «تغيير السلوك» هو كلام فيه الكثير من التضليل، فماذا نسمي إنفاق مئات المليارات من الدولارات، وضخ مئات آلاف الإرهابيين المتعددي الجنسيات بمن فيهم سوريون، وتسخير الإعلام العالمي والدبلوماسية، والحصار الاقتصادي، وقتل آلاف السوريين، وتشريد الملايين، ألم يكن من أجل إزالة سورية عن الخريطة كموقع ودور وتأثير، وحاضن للمقاومة في المنطقة؟ ونقلها إلى موقع جيوسياسي آخر تماماً، ومجرد الفشل في تحقيق ذلك وتمكن سورية دولة وقيادة وشعباً بمقاومتها الأسطورية من إحباط هذا المشروع يعني فيما يعنيه أن سورية باقية، ومتجذرة، وستعود تدريجياً لدورها التاريخي، وأن من حاولوا تدميرها هزموا شر هزيمة في هذه الحرب التاريخية التي لم تنته مفاعيلها بعد، إذاً الهدف لم يكن «تغيير السلوك» إنما إنهاء موقع سورية، وإنتاج موقع جديد ودور جديد لنظام سياسي جديد يتفق مع الأهداف الأميركية الغربية.
2- إن الذين يريدون تصوير الحرب على سورية بأنها ذات جذور داخلية فقط هم يضللون أيضاً، فالحرب علينا ومخططوها استفادوا من ثغراتنا الداخلية وأخطائنا، وجزء من شعبنا للأسف، للانقضاض على البلد، ومحاولة إسقاطها، ومن يعتقد أنه سخر الولايات المتحدة لمصالحه هو واهم، وساقط سياسياً وأخلاقياً، فالحرب على سورية وفيها، ليست من أجل دستور جديد، ومواد جديدة تعزز الحريات وحقوق الإنسان، فهذا كلام تافه لا قيمة له، لأن الدستور عدل في عام 2012، لكن أعداد الإرهابيين استمرت بالزيادة والتدفق، ومن هنا فإن الحديث عن أن الإصلاحات لو تحققت لما كان قد حدث ما حدث، هو أيضاً كلام سخيف لا يستحق الرد، فالإصلاح والتغيير هو عمل تدريجي يتم بالتعاون بين الدولة والمجتمع، ويهدف لتحقيق مصالح الشعب السوري، وليس مصالح إقليمية ودولية، تتربص بنا صباحاً ومساءً، ولا تهدف إلا إلى تحقيق مصالحها، وليس مصالحنا.
الحرب على سورية أصبحت أهدافها مكشوفة ومفضوحة بالوثائق، وما الحديث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، على أهميته لا يعدو كونه ذر رماد في العيون لإخفاء الأهداف الحقيقية، والأهم أن الإصلاح حاجة وطنية ومستمرة وداخلية، وليست مطلباً دولياً يتحقق بقرار من مجلس الأمن، أو بوسيط دولي لا يمثل مصالح السوريين، إنما مصالح من يدفع له راتبه، وللأسف الرومانسية لا تصنع مستقبل الأمم والشعوب، بل القوة، والقوة فقط، فلولا صمودنا وقوة جيشنا وحكمة رئيسنا، لكنا على طاولة تفاوض دولية لتقسيمنا غنائم حرب ومزايا ومصالح لقوى إقليمية ودولية.
3- إن الوحدة الوطنية وتعزيزها، ورفض أي طرح مذهبي أو طائفي أو إثني، هو أحد أهم الدروس التي يجب استخلاصها هنا، ذلك أن أولئك الذين توهموا بأن المركب الأميركي سيوصلهم إلى بر الأمان، ولتحقيق أهدافهم، فوجئوا برميهم بعد أن أصبحوا عبئاً، وأدوات مستهلكة لا قيمة لها، ومن هنا فإن الاستناد إلى مرتكزات خارجية هو وهم يجب أن ينتهي، وأن المصلحة الوطنية السورية يجب أن تحضر وهي الأساس، ومشهد العملاء الأفغان في مطار كابول يجب أن يحضر عميقاً في ذاكرة أولئك الذين مازالوا يعيشون في أوهام أميركا وأكاذيبها التي سقطت وانكشفت.
دروس كثيرة أخرى يمكن الحديث عنها، ولكن ما يجب أن نركز عليه هو أن ندرك أن لا أحد في العالم سيهتم بنا، وبمصالحنا ما لم نحشد جهودنا جميعاً من أجل ذلك، وأن لغة الإقصاء والكراهية والفتن، يجب أن تتوقف من أجل مستقبل وطن كان عبر التاريخ وطناً للحب، والتسامح والثقافة والفن والتنوع والتجانس، وأما سعي أميركا لإسقاط سورية فهو مشروع هُزم ليس بفضل من ركب مركب أميركا، وتوهم انتصاراً، وإنما بفضل صمود وثبات، وتضحيات أغلبية السوريين، وصبرهم الجماعي الذي أطاح بهذا المشروع الشيطاني، وما على أيتام أميركا سوى أخذ الدروس المستخلصة، والتوقف عن الكذب والنفاق، فاللعبة انتهت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن