من دفتر الوطن

كلاب قناصة

| حسن م. يوسف

«الموجة الثالثة» هو عنوان كتاب شهير صدرت ترجمته إلى العربية، قبل سنوات، عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وهو من تأليف المفكر وعالم المستقبليات الأميركي آلفين توفلر (1928- 2016)، الذي قام بتدريس عدة رؤساء دول مثل السوفييتي ميخائيل غورباتشوف والهندي أبو بكر زين العابدين عبد الكلام والماليزي مهاتير محمد.
في «الموجة الثالثة» يرى توفلر أن البشرية مرت بثلاثة أنواع من المجتمعات، أو «الموجات»، قامت كل منها بإزاحة من سبقتْها. الموجة الأولى هي مجتمع ما بعد الثورة الزراعية التي أزاحت ثقافة مجتمع الالتقاط والصيد. الموجة الثانية هي مجتمع الثورة الصناعية التي امتدت من أواخر القرن السابع عشر وحتى أواسط القرن العشرين. أما الموجة الثالثة فهي ثورة المعلوماتية ووسائل الاتصال.
أحسب أن توفلر لو كان حياً لوضع الآن كتاباً بعنوان «الموجة الرابعة: الذكاء الاصطناعي ونهوض الآلات».
قبل الخوض في هذا الموضوع أود أن أشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ينقسم إلى نوعين: الذكاء الاصطناعي الضعيف weak AI وهو نظام كمبيوتر يحاكي السلوك الذكي، ولكنه لا يملك عقلًا ولا يعي ذاته. وذكاء اصطناعي قوي strong AI وهو نظام يعي ذاته ويتمتع بالعقل والإرادة الحرة والوعي والإحساس، ويستطيع الفهم والتفكير المجرد.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي القوي ما يزال في الطور النظري، وهناك الكثير ممن يعتقدون أنه غير ممكن، وأنه ينطوي على مخاطر كبرى. وخلال نصف القرن الماضي أنجزت عشرات الأفلام والكتب حول هذه المخاطر، وقد وضع إسحاق عظيموف المؤلف الأميركي روسي المولد، في كتابه «قصص الروبوتات» ما يسمى بقوانين الروبوت الثلاثة:
1- يجب ألا يؤذي الروبوت إنساناً أو أن يسمح من خلال تقاعسه بإيذاء إنسان.
2- يجب أن يمتثل الروبوت للأوامر الصادرة عن البشر إلا إذا كانت هذه الأوامر تتعارض مع القانون الأول.
3- يجب أن يحمي الروبوت وجوده طالما أن هذه الحماية لا تتعارض مع القانونين الأول والثاني.
قد يظن بعض القراء السوريين أن موضوع الروبوتات ذات الذكاء المتقدم أمر لا يعنيهم، لكن ما سأقوله تالياً من شأنه أن يجعل الجميع يضعون أيديهم على رؤوسهم، ففي الخامس عشر من الشهر الحالي نشر موقع Popular Mechanics تحقيقا خطيراً بعنوان: «عجباً، لدينا الآن روبوتات على شكل كلاب مزودة ببنادق قنص»… «هذا الكلب الآلي، المعروف باسم Vision 60، يأتي من شركة Ghost Robotics ومقرها فيلادلفيا، وهي شركة ناشئة تركز على الروبوتات ذات الأرجل». وقد سارعت الشرطة الأميركية إلى إبداء اهتمامها بشراء دفعة من هذه الكلاب القناصة لتوظيفها في اقتحام المباني التي تتمترس فيها العصابات.
ويؤكد كاتب المقال أنه سبق له أن سلَّط الضوء على استخدام هذا النوع من الروبوتات في الخدمة العسكرية الأميركية خلال مناورات للقوات الجوية الأميركية عام 2020 في قاعدة نيليس الجوية في نيفادا. ويؤكد الكاتب أن هذه الكلاب الآلية الذكية «تجعل من السهل الاعتماد على عدد أقل من البشر». وبما أن جشع قوى الاستعمار الجديد لا حدود له، فربما يجد من يريدون وقف نهب الغرب للعالم الثالث، أنفسهم غداً في مواجهة جيوش جرارة من هذه الكلاب القناصة المزودة برشاشات دقيقة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن